و "طيبا" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون صفة لحلالا، أما على القول بأن "من" للابتداء متعلقة بـ "كلوا" فهو واضح، وأما على القول بأن "مما في الأرض" حال من "حلالا"، فقال "ولكن موضعها بعد [ ص: 223 ] الجار والمجرور، لئلا يفصل بالصفة بين الحال وذي الحال" وهذا الذي قاله ليس بشيء فإن الفصل بالصفة بين الحال وصاحبها ليس بممنوع، تقول: "جاءني زيد الطويل راكبا" بل لو قدمت الحال على الصفة فقلت: "جاءني زيد راكبا الطويل" كان في جوازه نظر. الثاني: أن يكون صفة لمصدر محذوف أو حالا من المصدر المعرفة المحذوف أي: أكلا طيبا. الثالث: أن يكون حالا من الضمير في "كلوا" تقديره: مستطيبين، قاله أبو البقاء: قال الشيخ: "وهذا فاسد في اللفظ والمعنى، أما اللفظ فلأن "الطيب" اسم فاعل فكان ينبغي أن تجمع لتطابق صاحبها فيقال: طيبين، وليس "طيب" مصدرا فيقال: إنما لم يجمع لذلك. وأما المعنى فإن "طيبا" مغاير لمعنى "مستطيبين" لأن الطيب من صفات المأكول والمستطيب من صفات الآكلين، تقول: طاب لزيد الطعام، ولا تقول: "طاب زيد الطعام" بمعنى استطابه". ابن عطية،
والحلال: المأذون فيه، ضد الحرام الممنوع منه. [يقال:] حل يحل بكسر العين في المضارع، وهو القياس لأنه مضاعف غير متعد، ويقال: حلال وحل، كحرام وحرم، وهو في الأصل مصدر، ويقال: "حل بل" على سبيل الإتباع كحسن بسن. وحل بمكان كذا يحل بضم العين وكسرها، وقرئ: "فيحل عليكم غضبي" بالوجهين.
قوله: "خطوات" قرأ ابن عامر وقنبل وحفص: خطوات بضم الخاء والطاء، وباقي السبعة بسكون الطاء، وقرأ والكسائي أبو السمال "خطوات" [ ص: 224 ] بفتحها، ونقل وغيره عنه أنه قرأ "خطوات" بفتح الخاء والطاء، وقرأ ابن عطية علي وقتادة بضمها والهمز. والأعمش
فأما قراءة الجمهور والأولى من قراءتي أبي السمال فلأن "فعلة" الساكنة العين السالمتها إذا كانت اسما جاز في جمعها بالألف والتاء ثلاثة أوجه - وهي لغات مسموعة عن العرب -: السكون وهو الأصل، والإتباع، والفتح في العين تخفيفا. وأما قراءة أبي السمال التي نقلها فهي جمع خطوة بفتح الخاء، والفرق بين الخطوة بالضم والفتح: أن المفتوح مصدر، دالة على المرة من خطا يخطو إذا مشى، والمضموم اسم لما بين القدمين كأنه اسم للمسافة، كالغرفة اسم للشيء المغترف، وقيل: إنهما لغتان بمعنى واحد ذكره ابن عطية أبو البقاء.
وأما قراءة علي ففيها تأويلان، أحدهما: - وبه قال - أن الهمزة أصل وأنه من الخطإ، و "خطؤات" جمع "خطأة" إن سمع، وإلا فتقديرا، وتفسير الأخفش إياه بالخطايا يؤيد هذا، ولكن يحتمل أن يكون مجاهد فسره بالمرادف. والثاني: أنه قلب الهمزة عن الواو لأنها جاورت الضمة قبلها فكأنها عليها، لأن حركة الحرف بين يديه على الصحيح لا عليه. مجاهد
قوله: "إنه لكم" قال "إنما كسر الهمزة لأنه أراد الإعلام [ ص: 225 ] بحاله، وهو أبلغ من الفتح، لأنه إذا فتح الهمزة صار التقدير: لا تتبعوه لأنه عدو لكم، واتباعه ممنوع وإن لم يكن عدوا لنا، ومثله: أبو البقاء:
810 - لبيك إن الحمد لك . . . . . . . . . . .
كسر الهمزة أجود لدلالة الكسر على استحقاقه الحمد في كل حال وكذلك التلبية" انتهى. يعني أن الكسر استئناف فهو بعض إخبار بذلك، وهذا الذي قاله في وجه الكسر لا يتعين، لأنه يجوز أن يراد التعليل مع كسر الهمزة فإنهم نصوا على أن "إن" المكسورة تفيد العلة أيضا، وقد ذكر ذلك في هذه الآية بعينها فينبغي أن يقال: قراءة الكسر أولى لأنها محتملة للإخبار المحض بحاله وللعلية، وأما المفتوحة فهي نص في العلية، لأن الكلام على تقدير لام العلة.