الثاني: أنه متعلق ب "تتخذون" و "منه" تكرير للظرف توكيدا نحو: "زيد في الدار فيها"، قاله . وعلى هذا فالهاء في "منه" فيها ستة أوجه. أحدها: أنها تعود على المضاف المحذوف الذي هو العصير، كما رجع في قوله: الزمخشري أو هم قائلون إلى الأهل المحذوف. الثاني: أنها تعود على معنى الثمرات لأنها بمعنى الثمر. الثالث: أنها تعود على النخيل. الرابع: أنها تعود على الجنس. الخامس: أنها تعود على البعض. السادس: أنها تعود على المذكور.
الثالث من الأوجه الأول: أنه معطوف على قوله: في الأنعام ، فيكون في المعنى خبرا عن اسم "إن" في قوله: وإن لكم في الأنعام لعبرة ، التقدير: وإن لكم في الأنعام ومن ثمرات النخيل لعبرة، ويكون قوله "تتخذون" بيانا وتفسيرا للعبرة كما وقع "نسقيكم" تفسيرا لها أيضا. [ ص: 260 ] الرابع: أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، فقدره الطبري: "ومن ثمرات النخيل ما تتخذون". قال الشيخ: "وهو لا يجوز على مذهب البصريين". قلت: وفيه نظر; لأن له أن يقول: ليست "ما" هذه موصولة، بل نكرة موصوفة، وجاز حذف الموصوف والصفة جملة، لأن في الكلام "من"، ومتى كان في الكلام "من" اطرد الحذف نحو: "منا ظعن ومنا أقام"، ولهذا نظره بقوله تعالى: مكي وما منا إلا له مقام ، أي: إلا من له مقام.
قال: "فحذفت "من" لدلالة "من" عليها في قوله: "وما منا". ولما قدر الموصوف قدره: ثمر تتخذون، ونظره بقول الشاعر: الزمخشري
2996 - يرمي بكفي كان من أرمى البشر
تقديره: بكفي رجل، إلا أن الحذف في البيت شاذ لعدم "من": ولما ذكر هذا الوجه قال: "قيل: هو صفة لمحذوف تقديره: شيئا تتخذون منه، بالنصب، أي: وإن من ثمرات النخيل. وإن شئت "شيء" بالرفع بالابتداء، و أبو البقاء من ثمرات خبره".والسكر: بفتحتين فيه أقوال، أحدها: أنه من أسماء الخمر، كقول الشاعر: [ ص: 261 ]
2997 - بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم إذا جرى فيهم المزاء والسكر
قال الشاعر:
2998 - وجاؤونا بهم سكر علينا فأجلى اليوم والسكران صاحي
2999 - جعلت أعراض الكرام سكرا
أي: تتقلب بأعراضهم. وقيل في البيت: إنه من الخمر، وإنه إذا انتهك أعراض الناس كأنه تخمر بها.وقوله: ورزقا حسنا يجوز أن يكون من عطف المغايرات، [ ص: 262 ] وهو الظاهر. وفي التفسير: أنه كالزبيب والخل ونحو ذلك، وأن يكون من عطف الصفات بعضها على بعض، أي: تتخذون منه ما يجمع بين السكر والرزق الحسن كقوله:
3000 - إلى الملك القرم وابن الهمام ... ... ... ...