والجمهور على إظهار نون "عن" قبل لام "الأهلة" وورش على أصله من نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وقرئ شاذا: "عل هلة" وتوجيهها أنه نقل حركة همزة "أهلة" إلى لام التعريف، وأدغم نون "عن" في لام التعريف لسقوط همزة الوصل في الدرج، وفي ذلك اعتداد بحركة الهمزة المنقولة وهي لغة من يقول: "لحمر" من غير همزة وصل.
[ ص: 303 ] وإنما جمع الهلال وإن كان مفردا اعتبارا باختلاف أزمانه، قالوا من حيث كونه هلالا في شهر غير كونه هلالا في آخر. والهلال هذا الكوكب المعروف. واختلف اللغويون: إلى متى يسمى هلالا؟ فقال الجمهور: يقال له: هلال لليلتين، وقيل: لثلاث، ثم يكون قمرا. وقال أبو الهيثم: "يقال له هلال لليلتين من أول الشهر وليلتين من آخره وما بينهما قمر". وقال "يقال له هلال إلى أن يحجر، وتحجيره أن يستدير له كالخيط الرقيق"، ويقال له بدر من الثانية عشرة إلى الرابعة عشرة، وقيل: "يسمى هلالا إلى أن يبهر ضوءه سواد الليل، وذلك إنما يكون في سبع ليال"، والهلال يكون اسما لهذا الكوكب، ويكون مصدرا، يقال: هل الشهر هلالا. ويقال: أهل الهلال واستهل مبنيا للمفعول وأهللناه واستهللناه، وقيل: يقال: أهل واستهل مبنيا للفاعل وأنشد: الأصمعي:
865 - وشهر مستهل بعد شهر وحول بعده حول جديد
وسمي هذا الكوكب هلالا لارتفاع الأصوات عند رؤيته، وقيل: لأنه من البيان والظهور، أي: لظهوره وقت رؤيته بعد خفائه، ولذلك يقال: تهلل وجهه: ظهر فيه بشر وسرور وإن لم يكن رفع صوته... ومنه قول تأبط شرا:[ ص: 304 ]
866 - وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل
وقدر بعضهم مضافا قبل "الأهلة" أي: عن حكم اختلاف الأهلة لأن السؤال عن ذاتها غير مفيد، ولذلك أجيبوا بقوله: "قل هي مواقيت" وقيل: إنهم لما سألوا عن شيء قليل الجدوى أجيبوا بما فيه فائدة، وعدل عن سؤالهم إذ لا فائدة فيه، وعلى هذا فلا يحتاج إلى تقدير مضاف.
و "للناس" متعلق بمحذوف، لأنه صفة لـ "مواقيت" أي: مواقيت كائنة للناس. والمواقيت: جمع ميقات، رجعت الواو إلى أصلها إذ الأصل: موقات من الوقت، وإنما قلبت ياء لكسر ما قبلها، فلما زال موجبه في الجمع ردت واوا، ولا ينصرف لأنه بزنة منتهى الجموع. والميقات منتهى الوقت.
قوله: "والحج" عطف على "الناس"، قالوا: تقديره: ومواقيت الحج، فحذف الثاني اكتفاء بالأول، ولما كان الحج من أعظم ما تطلب مواقيته وأشهره بالأهلة أفرد بالذكر، وكأنه تخصص بعد تعميم، إذ قوله "مواقيت للناس" ليس المعنى لذوات الناس، بل لا بد من مضاف أي: مواقيت لمقاصد الناس المحتاج فيها للتأقيت، ففي الحقيقة ليس معطوفا على الناس، بل على المضاف المحذوف الذي ناب "الناس" منابه في الإعراب.
وقرأ الجمهور "الحج" بالفتح في جميع القرآن إلا حمزة [ ص: 305 ] والكسائي وحفصا عن فقرؤوا "حج البيت" بالكسر، وقرأ عاصم الحسن وابن أبي إسحاق بالكسر في جميع القرآن، وهل هما بمعنى واحد أو مختلفان؟ قال "هما مصدران" فالمفتوح كالرد والشد، والمكسور كالذكر، وقيل: بالفتح هو مصدر، وبالكسر هو اسم. سيبويه:
قوله: "وليس البر بأن تأتوا" كقوله: "ليس البر أن تولوا" وقد تقدم; إلا أنه لم يختلف هنا في رفع "البر"، لأن زيادة الباء في الثاني عينت كونه خبرا، وقد تقدم لنا أنها قد تزاد في الاسم ولا حاجة إلى إعادة ما تقدم.
وقرأ أبو عمرو وحفص "البيوت" و "بيوت" بضم الباء وهو الأصل، وقرأ الباقون بالكسر لأجل الياء، وكذلك في تصغيره، ولا يبالى بالخروج من كسر إلى ضم لأن الضمة في الياء، والياء بمنزلة كسرتين فكانت الكسرة التي في الباء كأنها وليت كسرة، قاله وورش أبو البقاء.
و "من" في قوله: "من ظهورها" و "من أبوابها" متعلقة بالإتيان ومعناها ابتداء الغاية. والضمير في "ظهورها" و "أبوابها" للبيوت، وجيء به كضمير المؤنثة الواحد لأنه يجوز فيه ذلك.
[ ص: 306 ] وقوله: "ولكن البر من اتقى"" كقوله: "ولكن البر من آمن" سواء بسواء ولما تقدم جملتان خبريتان، وهما: "وليس البر"" ولكن البر من اتقى" عطف عليهما جملتان أمريتان، الأولى للأولى، والثانية للثانية، وهما: "وأتوا البيوت"" واتقوا الله". وفي التصريح بالمفعول في قوله: "واتقوا الله" دلالة على أنه محذوف من اتقى، أي: اتقى الله.