وأما ما استشكله بعضهم من أنه يصير المعنى: كل ما ذكر كان سيئة، ومن جملة كل ما ذكر: المأمور به، فيلزم أن يكون فيه سيئ، فهو استشكال واه; لما ذكرت من تقدير معناه.
[ ص: 356 ] و "مكروها" خبر "كان"، وحمل الكلام كله على لفظ "كل" فلذلك ذكر الضمير في "سيئه"، والخبر وهو: مكروه.
وأما قراءة الباقين: فتحتمل أن تقع الإشارة فيها ب "ذلك" إلى مصدري النهيين المتقدمين قريبا وهما: قفو ما ليس به علم، والمشي في الأرض مرحا. والثاني: أنه أشير به إلى جميع ما تقدم من المناهي. و "سيئة" خبر كان، وأنث حملا على معنى "كل"، ثم قال: "مكروها" حملا على لفظها.
وقال كلاما حسنا وهو: أن "السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات، فلا اعتبار بتأنيثه، ولا فرق بين من قرأ: "سيئة" ومن قرأ: "سيئا" ألا ترى أنك تقول: الزنى سيئة، كما تقول: السرقة سيئة، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث". الزمخشري
وفي نصب "مكروها" أربعة أوجه، أحدها: أنه خبر ثان ل "كان"، وتعداد خبرها جائز على الصحيح. الثاني: أنه بدل من "سيئة". وضعف هذا: بأن البدل بالمشتق قليل. الثالث: أنه حال من الضمير المستتر في: عند ربك لوقوعه صفة ل "سيئة". الرابع: أنه نعت ل "سيئة"، وإنما ذكر لأن تأنيث موصوفه مجازي. وقد رد هذا: بأن ذلك إنما يجوز حيث أسند إلى المؤنث المجازي، أما إذا أسند إلى ضميره فلا، نحو: "الشمس طالعة"، لا يجوز: "طالع" إلا في ضرورة كقوله:
3066 - ... ... ... ... ولا أرض أبقل إبقالها
[ ص: 357 ] وهذا عند غير ابن كيسان، وأما ابن كيسان فيجيز في الكلام: "الشمس طلع، وطالع".وأما قراءة فهي مما أخبر فيها عن الجمع إخبار الواحد لسد الواحد مسده كقوله: عبد الله
3067 - فإما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها
وقرأ أيضا: "كان سيئات" بالجمع من غير إضافة وهو خبر "كان"، وهي تؤيد قراءة الحرميين عبد الله وأبي عمرو.