و ل "أي" أحوال أربعة، أحدها: تبنى فيها وهي - كما في الآية - أن تضاف ويحذف صدر صلتها، ومثله قول الشاعر:
3248 - إذا ما أتيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل
بضم "أيهم" وتفاصيلها مقررة في موضوعات النحو.وزعم رحمه الله أن: "أيهم" هنا مبتدأ، و "أشد" خبره، وهي استفهامية والجملة محكية بقول مقدر والتقدير: لننزعن من كل شيعة المقول فيهم: أيهم أشد. وقوى الخليل تخريجه بقول الشاعر: الخليل
3249 - ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
وذهب إلى أنها استفهامية مبتدأة، ما بعدها خبرها كقول [ ص: 622 ] يونس إلا أنه زعم أنها معلقة ل "ننزعن" فهي في محل نصب، لأنه يجوز التعليق في سائر الأفعال، ولا يخصه بأفعال القلوب، كما يخصه بها الجمهور. الخليل،
وقال : "ويجوز أن يكون النزع واقعا على: الزمخشري من كل شيعة كقوله: ووهبنا لهم من رحمتنا ، أي: لننزعن بعض كل شيعة فكأن قائلا قال: من هم؟ فقيل: أيهم أشد عتيا". فجعل "أيهم" موصولة أيضا، ولكن هي في قوله خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين هم أشد.
قال الشيخ: وهذا تكلف ما لا حاجة إليه، وادعاء إضمار غير محتاج إليه، وجعل ما ظاهره أنه جملة واحدة جملتين.
وحكى عن أبو البقاء الأخفش أن مفعول لننزعن والكسائي كل شيعة و "من" مزيدة، قال: وهما يجيزان زيادة "من"، و "أي" استفهام، أي: للنزعن كل شيعة. وهذا يخالف في المعنى تخريج الجمهور; فإن تخريجهم يؤدي إلى التبعيض، وهذا يؤدي إلى العموم، إلا أن تجعل "من" لابتداء الغاية لا للتبعيض فيتفق التخريجان.
[ ص: 623 ] وذهب إلى أن معنى "لننزعن" لننادين، فعومل معاملته، فلم يعمل في "أي". قال الكسائي المهدوي: "ونادى يعلق إذا كان بعده جملة نصب، فيعمل في المعنى، ولا يعمل في اللفظ".
وقال "أيهم" متعلق ب "شيعة" فلذلك ارتفع، والمعنى: من الذين تشايعوا أيهم أشد، كأنهم يتبارون إلى هذا. المبرد:
ويلزمه على هذا أن يقدر مفعولا ل "ننزعن" محذوفا. وقدر بعضهم في قول المبرد: من الذين تعاونوا فنظروا أيهم. قال "وهذا قول حسن، وقد حكى النحاس: تشايعوا بمعنى تعاونوا". قلت: وفي هذه العبارة المنسوبة الكسائي قلق، ولا بين الناقل عنه وجه الرفع على ماذا يكون، وبينه للمبرد لكن جعل "أيهم" فاعلا لما تضمنته "شيعة" من معنى الفعل، قال: "التقدير: لننزعن من كل فريق يشيع أيهم، وهي على هذا بمعنى الذي". أبو البقاء،
ونقل عن الكوفيين أن "أيهم" في الآية بمعنى الشرط. والتقدير: إن اشتد عتوهم، أو لم يشتد، كما تقول: ضربت القوم أيهم غضب، المعنى: إن غضبوا أو لم يغضبوا.
وقرأ طلحة بن مصرف الهراء أستاذ ومعاذ بن مسلم الفراء وزائدة [ ص: 624 ] عن "أيهم" نصبا. قلت: فعلى هذه القراءة والتي قبلها: ينبغي أن يكون مذهب الأعمش: جواز إعرابها وبنائها، وهو المشهور عند النقلة عنه، وقد نقل عنه أنه يحتم بناءها. قال سيبويه "ما علمت أحدا من النحويين إلا وقد خطأ النحاس: قال: وسمعت سيبويه". يقول: "ما تبين لي أن أبا إسحاق الزجاج غلط في كتابه إلا في موضعين، هذا أحدهما" قال: وقد أعرب سيبويه "أيا" وهي مفردة لأنها مضافة، فكيف يبنيها مضافة؟ سيبويه
وقال الجرمي: "خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحدا يقول: "لأضربن أيهم قائم" بالضم بل ينصب".
و على الرحمن متعلق ب "أشد"، و "عتيا" منصوب على التمييز، وهو محول عن المبتدأ، إذ التقدير: أيهم هو عتوه أشد، ولا بد من محذوف يتم به الكلام، التقدير: فنلقيه في العذاب، أو فنبدأ بعذابه. قال : "فإن قلت: بم تتعلق على والباء؟ فإن تعلقهما بالمصدرين لا سبيل إليه". قلت: هما للبيان لا للصلة، أو يتعلقان ب "أفعل"، أي: عتوهم أشد على الرحمن، وصليهم أولى بالنار كقولهم: "هو أشد على خصمه، وهو أولى بكذا". الزمخشري
[ ص: 625 ] قلت: يعني ب "على" قوله: "على الرحمن"، وبالباء قوله: "بالذين هم". وقوله: "بالمصدر" يعني بهما "عتيا" و "صليا" وأما كونه لا سبيل إليه فلأن المصدر في نية الموصول، ولا يتقدم معمول الموصول عليه.
وجوز بعضهم أن يكون "عتيا" و "صليا" في هذه الآية مصدرين كما تقدم، وجوز أن يكونا جمع عات وصال فانتصابهما على هذا الحال. وعلى هذا يجوز أن تتعلق على والباء بهما لزوال المحذور المذكور.