والثالث: أن تتعلق بنفس "الآيات" لما فيها من معنى الفعل وهو ظاهر قول فيما فهمه عنه مكي قال ابن عطية. "معنى الآية أنه يبين للمؤمنين آيات في الدنيا والآخرة يدل عليها وعلى منزلتها لعلهم يتفكرون في تلك الآيات" قال مكي: "فقوله: "في الدنيا" يتعلق على هذا التأويل بالآيات" وما قاله عنه ليس بظاهر، لأن شرحه الآية لا يقتضي تعلق الجار بالآيات. ثم إن عنى ابن عطية: بالتعلق التعلق الاصطلاحي، فقال الشيخ: [ ص: 411 ] "فهو فاسد، لأن "الآيات" لا تعمل شيئا البتة، ولا يتعلق بها ظرف ولا مجرور" وهذا من الشيخ فيه نظر، فإن الظروف تتعلق بروائح الأفعال، ولا شك أن معنى الآيات العلامات الظاهرة فيتعلق بها الظرف على هذا. وإن عنى التعلق المعنوي وهو كون الجار من تمام معنى "الآيات" فذلك لا يكون إلا إذا جعلنا الجار حالا من "الآيات" ولذلك قدرها ابن عطية نكرة فقال: "يبين لهم آيات في الدنيا" ليعلم أنها واقعة موقع الصفة لآيات، ولا فرق في المعنى بين الصفة والحال فيما نحن بصدده، فعلى هذا تتعلق بمحذوف لوقوعها صفة. مكي
الرابع: أن تكون حالا من "الآيات" كما تقدم تقريره الآن. الخامس: أن تكون صلة للآيات فتتعلق بمحذوف أيضا، وذلك مذهب الكوفيين فإنهم يجعلون من الموصولات الاسم المعرف بأل وأنشدوا:
946 - لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل
فـ "البيت" عندهم موصول، ولتقرير مذهبهم والرد عليه موضع هو أليق به.والتفكر: تفعل من الفكر، والفكر: الذهن، فمعنى تفكر في كذا: أجال ذهنه فيه وردده.
قوله: "إصلاح لهم خير"" إصلاح" مبتدأ، وسوغ الابتداء به أحد شيئين: إما وصفه بقوله "لهم"، وإما تخصيصه بعمله فيه، و "خير" خبره. و "إصلاح" مصدر حذف فاعله، تقديره: إصلاحكم لهم، فالخيرية للجانبين أعني جانب المصلح والمصلح له، وهذا أولى من تخصيص أحد الجانبين [ ص: 412 ] بالإصلاح كما فعل بعضهم. قال "فيجوز أن يكون التقدير: "خير لكم"، ويجوز أن يكون: "خير لهم" أي إصلاحهم نافع لكم". أبو البقاء:
و "لهم": إما في محل رفع على أنه صفة لـ "خير"، أو نصب على أنه متعلق به معمول له كما تقدم. وأجاز فيه أن يكون حالا من "خير" قدم عليه، وكان أصله صفة فلما قدم انتصب حالا عنه، واعتذر عن الابتداء بالنكرة حينئذ بأحد وجهين: إما لأن النكرة في معنى الفعل تقديره: أصلحوهم، وإما بأن النكرة والمعرفة هنا سواء لأنه جنس. أبو البقاء
قوله: "فإخوانكم" الفاء جواب الشرط، و "إخوانكم" خبر مبتدأ محذوف، أي: فهم إخوانكم. والجملة في محل جزم على جواب الشرط. والجمهور على الرفع، وقرأ أبو مجلز: "فإخوانكم" نصبا بفعل مقدر، أي: فقد خالطتم إخوانكم. والجملة الفعلية أيضا في محل جزم، وكأن هذه القراءة لم يطلع عليها فإنه قال: "ويجوز النصب في الكلام، أي: فقد خالطتم إخوانكم". أبو البقاء،
وقوله: "يعلم المفسد من المصلح" تقدم الكلام عليه في قوله: "إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب"، والمفسد والمصلح جنسان هنا، [ ص: 413 ] وليس الألف واللام لتعريف المعهود، وهذا هو الظاهر. وقد يجوز أن تكون للعهد أيضا.
وفي قوله: "تخالطوهم" التفات من ضمير الغيبة في قوله: "ويسألونك" إلى الخطاب لينبه السامع إلى ما يلقى إليه. ووقع جواب السؤال بجملتين: إحداهما من مبتدأ وخبر، وأبرزت ثبوتية منكرة المبتدإ لتدل على تناوله كل إصلاح على طريق البدلية، ولو أضيف لعم أو لكان معهودا في إصلاح خاص، وكلاهما غير مراد، أما العموم فلا يمكن، وأما المعهود فلا يتناول غيره; فلذلك أوثر التنكير الدال على عموم البدل، وأخبر عنه بـ "خير" الدال على تحصيل الثواب، ليتبادر المسلم إليه. والآخر من شرط وجزاء، دال على جواز الوقوع لا على طلبه وندبيته.
قوله: "ولو شاء الله" مفعول "شاء" محذوف، أي: إعناتكم. وجواب لو: "لأعنتكم"، وهو الكثير أعني ثبوت اللام في الفعل المثبت.
والمشهور قطع همزة "لأعنتكم" لأنها همزة قطع. وقرأ البزي عن ابن كثير في المشهور بتخفيفها بين بين، وليس من أصله ذلك، وروي سقوطها البتة، وهي كقراءة: "فلا إثم عليه" شذوذا وتوجيها. ونسب بعضهم هذه القراءة إلى وهم الراوي، باعتبار أنه اعتقد في سماعه التخفيف إسقاطا، لكن الصحيح ثبوتها شاذة.
والمخالطة: الممازجة. والعنت: المشقة، ومنه "عقبة عنوت"، أي: شاقة المصعد.