و "غيره" صفة لـ "زوجا"، وإن كان نكرة، لأن "غير" وأخواتها لا تتعرف بالإضافة لكونها في قوة اسم الفاعل العامل. و "زوجا" هل هو للتقييد [ ص: 454 ] أو للتوطئة؟ وينبني على ذلك فائدة، وهي أنه إن كان للتقييد: فلو كانت المرأة أمة وطلقها زوجها ثلاثا ووطئها سيدها لم تحل للأول لأنه ليس بزوج، وإن كانت للتوطئة حلت، لأن ذكر الزوج كالملغى، كأنه قيل: حتى تنكح غيره، وإنما أتى بلفظ "زوج" لأنه الغالب.
قوله: "فإن طلقها" الضمير المرفوع عائد على "زوجا" النكرة، أي: فإن طلقها ذلك الزوج الثاني، وأتى بلفظ "إن" الشرطية دون "إذا" تنبيها أن طلاقه يجب أن يكون باختياره من غير أن يشترط عليه ذلك، لأن "إذا" للمحقق وقوعه و"إن" للمبهم وقوعه أو المتحقق وقوعه، المبهم زمان وقوعه، نحو قوله تعالى: "أفإن مت فهم الخالدون".
قوله: "عليهما" الضمير في "عليهما" يجوز أن يعود على المرأة والزوج الأول المطلق ثلاثا، أي: فإن طلقها الثاني وانقضت عدتها منه فلا جناح على الزوج المطلق ثلاثا ولا عليها أن يتراجعا. ويجوز أن يعود عليها وعلى الزوج الثاني، أي: فلا جناح على المرأة ولا على الزوج الثاني أن يتراجعا ما دامت عدتها باقية، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف تلك الجملة المقدرة وهي "وانقضت عدتها" وتكون الآية قد أفادت حكمين، أحدهما: أنها لا تحل للأول إلا بعد أن تتزوج بغيره، والثاني: أنه يجوز أن يراجعها الثاني ما دامت عدتها منه باقية، ويكون ذلك دفعا لوهم من يتوهم أنها إذا نكحت غير الأول حلت للأول فقط ولم يكن للثاني عليها رجعة.
قوله: "أن يتراجعا" أي: في أن، ففي محلها القولان المشهوران، و "عليهما" خبر "لا"، و "في أن" متعلق بالاستقرار، وقد تقدم أنه لا يجوز أن يكون "عليهما" متعلقا "بـ"جناح"، والجار الخبر، لما يلزم من تنوين اسم "لا"، لأنه حينئذ يكون مطولا.
[ ص: 455 ] قوله: "إن ظنا" شرط جوابه محذوف عند لدلالة ما قبله عليه، ومتقدم عند الكوفيين سيبويه وأبي زيد. والظن هنا على بابه من ترجيح أحد الجانبين، وهو مقو أن الخوف المتقدم بمعنى الظن. وزعم وغيره أنه بمعنى اليقين، وضعف هذا القول أبو عبيدة لوجهين، أحدهما من جهة اللفظ وهو أن "أن" الناصبة لا يعمل فيها يقين، وإنما ذلك للمشددة والمخففة منها، لا تقول: علمت أن يقوم زيد، إنما تقول: علمت أن يقوم زيد. والثاني من جهة المعنى: فإن الإنسان لا يتيقن ما في الغد وإنما يظنه ظنا. الزمخشري
قال الشيخ: "أما ما ذكره من أنه لا يقال: "علمت أن يقوم زيد" فقد ذكره غيره مثل وغيره، إلا أن الفارسي أجاز: "ما علمت إلا أن يقوم زيد" فظاهر هذا الرد على سيبويه قال بعضهم: الجمع بينهما أن "علم" قد يراد بها الظن القوي كقوله: الفارسي. "فإن علمتموهن مؤمنات" وقوله:
979 - وأعلم علم حق غير ظن وتقوى الله من خير العتاد
فقوله: "علم حق" يفهم منه أنه قد يكون علم غير حق، وكذا قوله: "غير ظن" يفهم [منه] أنه قد يكون علم بمعنى الظن. ومما يدل على أن "علم" التي بمعنى "ظن" تعمل في "أن" الناصبة قول جرير:[ ص: 456 ]
980 - نرضى عن الناس إن الناس قد علموا أن لا يدانينا من خلقه أحد
وقوله: "أن يقيما" إما ساد مسد المفعولين، أو الأول والثاني محذوف، على حسب المذهبين المتقدمين.
قوله: "يبينها" في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها في محل رفع خبرا بعد خبر، عند من يرى ذلك. والثاني: أنها في محل نصب على الحال، وصاحبها "حدود الله" والعامل فيها اسم الإشارة وقرئ: "نبينها" بالنون، ويروى عن على الالتفات من الغيبة إلى التكلم للتعظيم. و عاصم، "لقوم" متعلق به. و "يعلمون" في محل خفض صفة لقوم. وخص العلماء بالذكر لأنهم هم المنتفعون بالبيان دون غيرهم.