آ. (247) قوله تعالى: طالوت ملكا : "ملكا" حال من "طالوت" فالعامل في الحال "بعث". و "طالوت" فيه قولان، أظهرهما: أنه اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف للعلتين، أعني العلمية والعجمة الشخصية. والثاني: أنه مشتق من الطول، ووزنه فعلوت كرهبوت ورحموت، وأصله طولوت، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وكأن الحامل لهذا القائل بهذا القول ما روي في القصة أنه كان أطول رجل في زمانه، إلا أن هذا القول مردود بأنه لو كان مشتقا من الطول لكان ينبغي أن ينصرف، إذ ليس فيه [ ص: 520 ] إلا العلمية. وقد أجابوا عن هذا بأنه وإن لم يكن أعجميا ولكنه شبيه بالأعجمي، من حيث إنه ليس في أبنية العرب ما هو على هذه الصيغة، وهذا كما قالوا في حمدون وسراويل ويعقوب وإسحاق عند من جعلهما من سحق وعقب وقد تقدم.
قوله: "أنى يكون له الملك"" أنى" فيه وجهان، أحدهما: أنها بمعنى كيف، وهذا هو الصحيح. والثاني: أنها بمعنى من أين، أجازه وليس المعنى عليه. ومحلها النصب على الحال، وسيأتي الكلام في عاملها ما هو؟ و "يكون" فيها وجهان، أحدهما: أنها تامة، و "الملك" فاعل بها و "له" متعلق بها، و "علينا" متعلق بالملك، تقول: "فلان ملك على بني فلان أمرهم" فتتعدى هذه المادة بـ "على"، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه حال من "الملك"، و "يكون" هي العاملة في "أنى"، ولا يجوز أن يعمل فيها أحد الظرفين، أعني "له" و "علينا" لأنه عامل معنوي والعامل المعنوي لا تتقدم عليه الحال على المشهور. والثاني: أنها ناقصة و "له" الخبر"، و "علينا" متعلق: إما بما تعلق به هذا الخبر، أو بمحذوف على أنه حال من "الملك" كما تقدم، والعامل في هذه الحال "يكون" عند من يجيز في "كان" الناقصة أن تعمل في الظرف وشبهه، وإما بنفس الملك كما تقدم تقريره، والعامل في "أنى" ما تعلق به الخبر أيضا، ويجوز أن يكون "علينا" هو الخبر، و "له" نصب على الحال، والعامل فيه الاستقرار المتعلق به الخبر، كما تقدم تقريره، أو "يكون" عند من يجيز ذلك في الناقصة. ولم أر من جوز أن تكون "أنى" في محل نصب خبرا لـ "يكون" بمعنى "كيف يكون الملك علينا له" ولو قيل به لم يمتنع معنى ولا صناعة. أبو البقاء،
[ ص: 521 ] قوله: "ونحن أحق" جملة حالية، و "بالملك" و "منه" كلاهما متعلق بـ "أحق". "ولم يؤت سعة" هذه الجملة الفعلية عطف على الاسمية قبلها، فهي في محل نصب على الحال، ودخلت الواو على المضارع لكونه منفيا و "سعة" مفعول ثان ليؤت، والأول قام مقام الفاعل.
و "سعة" وزنها "علة" بحذف الفاء وأصلها "وسعة" وإنما حذفت الفاء في المصدر حملا على المضارع، وإنما حذفت في المضارع لوقوعها بين ياء - وهي حرف المضارعة - وكسرة مقدرة، وذلك أن "وسع" مثل "وثق"، فحق مضارعه أن يجيء على يفعل بكسر العين، وإنما منع ذلك في "يسع" كون لامه حرف حلق ففتح عين مضارعه لذلك، وإن كان أصلها الكسر، فمن ثم قلنا: بين ياء وكسرة مقدرة، والدليل على ذلك أنهم قالوا: وجل يوجل فلم يحذفوها لما كانت الفتحة أصلية غير عارضة، بخلاف فتحة "يسع" و "يهب" وبابهما.
فإن قيل: قد رأيناهم يحذفون هذه الواو وإن لم تقع بين ياء وكسرة، وذلك إذا كان حرف المضارعة همزة نحو: "أعد" أو تاء نحو: "تعد" أو نونا نحو: "نعد"، وكذلك في الأمر والمصدر نحو: "عد عدة حسنة" فالجواب أن ذلك بالحمل على المضارع مع الياء طردا للباب، كما تقدم لنا في حذف همزة أفعل إذا صار مضارعا لأجل همزة المتكلم ثم حمل باقي الباب عليه.
وفتحت سين "السعة" لما فتحت في المضارع لأجل حرف الحلق، كما كسرت عين "عدة" لما كسرت في "يعد" إلا أنه يشكل على هذا: وهب يهب هبة، فإنهم كسروا الهاء في المصدر وإن كانت مفتوحة في المضارع لأجل أن العين حرف حلق، فلا فرق بين "يهب" و "يسع" في كون الفتحة عارضة [ ص: 522 ] والكسرة مقدرة، ومع ذلك فالهاء مكسورة في "هبة"، وكان من حقها الفتح لفتحها في المضارع كـ "سعة".
و "من المال" فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بيؤت. والثاني: أنه متعلق بمحذوف لأنه صفة ل"سعة"، أي: سعة كائنة من المال.
قوله: "في العلم" فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بـ "بسطة" كقولك: "بسطت له في كذا". والثاني: أنه متعلق بمحذوف لأنه صفة لـ "بسطة" أي: بسطة مستقرة أو كائنة.
و "واسع" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه على النسب أي: ذو سعة رحمة، كقولهم: لابن وتامر أي: صاحب تمر ولبن. والثاني: أنه جاء على حذف الزوائد من أوسع، وأصله موسع. وهذه العبارة إنما يتداولها النحويون في المصادر فيقولون: مصدر على حذف الزوائد. والثالث: أنه اسم فاعل من "وسع" ثلاثيا. قال "فالتقدير على هذا: واسع الحلم، لأنك تقول وسع حلمه". أبو البقاء: