[ ص: 556 ] وفي قوله: "كالذي" أربعة أوجه، أحدها: أنه عطف على المعنى وتقديره عند الكسائي هل رأيت كالذي حاج والفراء: إبراهيم أو كالذي مر على قرية، هكذا قال أما العطف على المعنى فهو وإن كان موجودا في لسانهم كقوله: مكي،
1044 - تقي نقي لم يكثر غنيمة بنهكة ذي قربى ولا بحقلد
وقول الآخر: 1045 - أجدك لن ترى بثعيلبات ولا بيدان ناجية ذمولا
ولا متدارك والليل طفل ببعض نواشغ الوادي حمولا
الثاني: أنه منصوب على إضمار فعل، وإليه نحا الزمخشري، قال وأبو البقاء، "أو كالذي: معناه أو رأيت مثل الذي"، فحذف [ ص: 557 ] لدلالة "ألم تر" لأن كلتيهما كلمتا تعجب، وهو حسن، لأن الحذف ثابت كثير بخلاف العطف على المعنى. الزمخشري:
الثالث: أن الكاف زائدة كهي في قوله: "ليس كمثله شيء" وقول الآخر:
1046 - فصيروا مثل كعصف مأكول ... ... ... ...
والتقدير: ألم تر إلى الذي حاج، أو إلى الذي مر على قرية. وفيه ضعف لأن الأصل عدم الزيادة.
والرابع: أن الكاف اسم بمعنى مثل، لا حرف، وهو مذهب وهو الصحيح من جهة الدليل، وإن كان جمهور البصريين على خلافه، فالتقدير: ألم تر إلى الذي حاج، أو إلى مثل الذي مر وهو معنى حسن. وللقول باسمية الكاف دلائل مذكورة في كتب القوم، ذكرنا أحسنها في هذا الكتاب، منها معادلتها في الفاعلية بـ "مثل" في قوله: الأخفش
1047 - وإنك لم يفخر عليك كفاخر ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب
[ ص: 558 ] قوله: "وهي خاوية" هذه الجملة فيها خمسة أوجه، أحدها أن تكون حالا من فاعل "مر" والواو هنا رابطة بين الجملة الحالية وصاحبها، والإتيان بها واجب لخلو الجملة من ضمير يعود إليه. والثاني: أنها حال من "قرية": إما على جعل "على عروشها" صفة لقرية على أحد الأوجه الآتية في هذا الجار، أو على رأي من يجيز الإتيان بالحال من النكرة مطلقا، وهو ضعيف عند الثالث: أنها حال من "عروشها" مقدمة عليه، تقديره: مر على قرية على عروشها وهي خاوية. الرابع: أن تكون حالا من "ها" المضاف إليها "عروش" قال سيبويه. "والعامل معنى الإضافة وهو ضعيف مع جوازه" انتهى. والذي سهل مجيء الحال من المضاف إليه كونه بعض المضاف، لأن "العروش" بعض القرية، فهو قريب من قوله تعالى: أبو البقاء: "ما في صدورهم من غل إخوانا". الخامس: أن تكون الجملة صفة لقرية، وهذا ليس بمرتضى عندهم، لأن الواو لا تدخل بين الصفة والموصوف، وإن كان قد أجاز ذلك في قوله تعالى: الزمخشري "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم" فجعل "ولها كتاب" صفة، قال: "وتوسطت الواو إيذانا بإلصاق الصفة بالموصوف" وهذا مذهب سبقه إليه في بعض تصانيفه، وفيه ما تقدم، وكأن الذي سهل ذلك تشبيه الجملة الواقعة صفة بالواقعة حالا، لأن الحال صفة في المعنى. ورتب أبو الفتح ابن جني جعل هذه الجملة صفة لقرية على جواز جعل "على عروشها" بدلا من "قرية" على [ ص: 559 ] إعادة حرف الجر ورتب جعل "وهي خاوية" حالا من العروش أو من القرية أو من "ها" المضاف إليها على جعل "على عروشها" صفة للقرية، وهذا نصه قد ذكرته ليتضح لك، فإنه قال: "وقيل هو بدل من القرية تقديره: مر على قرية على عروشها أي: مر على عروش القرية، وأعاد حرف الجر مع البدل، ويجوز أن يكون "على عروشها" على هذا القول صفة للقرية لا بدلا، تقديره: على قرية ساقطة على عروشها، فعلى هذا يجوز أن تكون "وهي خاوية" حالا من العروش وأن تكون حالا من القرية لأنها قد وصفت، وأن تكون حالا من "ها" المضاف إليه، وفي هذا البناء نظر لا يخفى. أبو البقاء
قوله: "على عروشها" فيه أربعة أوجه، أحدها: أن يكون بدلا من "قرية" بإعادة العامل. الثاني: أن يكون صفة لـ "قرية" كما تقدم تحقيقه، فعلى الأول يتعلق بـ "مر" لأن العامل في البدل العامل في المبدل منه، وعلى الثاني يتعلق بمحذوف أي: ساقطة على عروشها. الثالث: أن يتعلق بنفس خاوية، إذا فسرنا "خاوية" بمعنى متهدمة ساقطة. الرابع: أن يتعلق بمحذوف يدل عليه المعنى، وذلك المحذوف قالوا: هو لفظ "ثابتة"، لأنهم فسروا "خاوية" بمعنى: خالية من أهلها ثابتة على عروشها، وبيوتها قائمة لم تتهدم، وهذا حذف من غير دليل ولا يتبادر إليه الذهن. وقيل: "على" بمعنى "مع" أي: مع عروشها، قالوا: وعلى هذا فالمراد بالعروش الأبنية.
والخاوي: الخالي. يقال: خوت الدار تخوي خواء بالمد، وخويا، وخويت أيضا بكسر العين تخوى خوى بالقصر، وخويا.
والخوى: الجوع لخلو البطن من الزاد. والخوي على فعيل: البطن السهل من الأرض، وخوى البعير: جافى جنبه عن الأرض. قال:
[ ص: 560 ]
1048 - خوى على مستويات خمس كركرة وثفنات ملس
1049 - إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم بعتيبة بن الحارث بن شهاب
قوله: "مائة عام" قال "مئة عام" ظرف لأماته على المعنى، لأن المعنى ألبثه مئة عام، ولا يجوز أن يكون ظرفا على ظاهر اللفظ، لأن الإماتة تقع في أدنى زمان، ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف تقديره: "فأماته الله فلبث مئة عام"، ويدل على ذلك قوله: "كم لبثت"، ولا حاجة إلى هذين التأويلين، بل المعنى جعله ميتا مئة عام. أبو البقاء:
و "مئة" عقد من العدد معروف، ولامها محذوفة، وهي ياء، يدل على [ ص: 561 ] ذلك قولهم: "أمأيت الدراهم" أي: صيرتها مئة، فوزنها فعة ويجمع على "مئات" وشذ فيها مئون قال:
1050 - ثلاث مئين للملوك وفى بها ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم
والعام مدة من الزمان معلومة، وعينه واو لقولهم في التصغير: عويم، وفي التكسير: "أعوام". وقال النقاش: "هو في الأصل مصدر سمي به الزمان لأنه عومة من الشمس في الفلك، والعوم: هو السبح. وقال تعالى: "وكل في فلك يسبحون" فعلى هذا يكون العام والعوم كالقول والقال".
قوله: "كم" منصوب على الظرف، ومميزها محذوف تقديره: كم يوما أو وقتا. والناصب له "لبثت"، والجملة في محل نصب بالقول، والظاهر أن "أو" في قوله: "يوما أو بعض يوم" بمعنى "بل" للإضراب وهو قول ثابت، وقيل: هي للشك. وقوله: "قال بل لبثت" عطفت "بل" هذه الجملة على جملة محذوفة تقديره: ما لبثت يوما أو بعض يوم، بل لبثت مئة عام. وقرأ نافع وعاصم بإظهار الثاء في جميع القرآن، والباقون بالإدغام. وابن كثير
قوله: "لم يتسنه" هذه الجملة في محل نصب على الحال. وزعم [ ص: 562 ] بعضهم أن المضارع المنفي بـ "لم" إذا وقع حالا فالمختار دخول واو الحال وأنشد:
1051 - بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ولم تكثر القتلى بها حين سلت
قيل: قد تقدم شيئان وهما "طعامك وشرابك" ولم يعد الضمير إلا مفردا، وفي ذلك ثلاثة أجوبة، أحدها: أنهما لما كانا متلازمين، بمعنى أن أحدهما لا يكتفى به بدون الآخر صارا بمنزلة شيء واحد حتى كأنه [قال:] فانظر إلى غذائك. الثاني: أن الضمير يعود إلى الشراب فقط، لأنه أقرب مذكور، وثم جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها. والتقدير: وانظر إلى طعامك لم يتسنه وإلى شرابك لم يتسنه، أو يكون سكت عن تغير الطعام تنبيها بالأدنى على الأعلى، وذلك أنه إذا لم يتغير الشراب مع نزعة النفس إليه فعدم تغير الطعام أولى، قال معناه والثالث: أنه أفرد في موضع التثنية، قاله أبو البقاء. وأنشد: أبو البقاء
[ ص: 563 ]
1052 - فكأن في العينين حب قرنفل أو سنبل كحلت به فانهلت
وقرأ حمزة "لم يتسنه" بالهاء وقفا وبحذفها وصلا، والباقون بإثباتها في الحالين. فأما قراءتهما فالهاء فيها للسكت. وأما قراءة الجماعة فالهاء تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون أيضا للسكت، وإنما أثبتت وصلا إجراء للوصل مجرى الوقف، وهو في القرآن كثير، سيمر بك منه مواضع، فعلى هذا يكون أصل الكلمة: إما مشتقا من لفظ "السنة" على قولنا إن لامها المحذوفة واو، ولذلك ترد في التصغير والجمع، قالوا: سنية وسنوات، وعلى هذه اللغة قالوا: "سانيت" أبدلت الواو ياء لوقوعها رابعة، وقالوا: أسنت القوم، فقلبوا الواو تاء، والأصل أسنووا، فأبدلوها في تجاه وتخمة كما تقدم، فأصله: يتسنى فحذفت الألف جزما، وإما من لفظ "مسنون" وهو المتغير ومنه "من حمإ مسنون"، والأصل: يتسنن بثلاث نونات، فاستثقل توالي الأمثال، فأبدلنا الأخيرة ياء، كما قالوا في تظنن: تظنى، وفي قصصت أظفاري: قصيت، ثم أبدلنا الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت جزما، قاله والكسائي: وخطأه أبو عمرو، قال: "لأن المسنون المصبوب على سنن الطريق". الزجاج،
وحكي عن النقاش أنه قال: "هو مأخوذ من أسن الماء" أي تغير، وهذا وإن كان صحيحا معنى فقد رد عليه النحويون قوله لأنه فاسد اشتقاقا، إذ [ ص: 564 ] لو كان مشتقا من "أسن الماء" لكان ينبغي حين يبنى منه تفعل أن يقال تأسن. ويمكن أن يجاب عنه أنه يمكن أن يكون قد قلبت الكلمة بأن أخرت فاؤها - وهي الهمزة - إلى موضع لامها فبقي: يتسنأ بالهمزة آخرا، ثم أبدلت الهمزة ألفا كقولهم في قرأ: "قرا"، وفي استهزأ: "استهزا" ثم حذفت جزما.
والوجه الثاني: أن تكون الهاء أصلا بنفسها، ويكون مشتقا من لفظ "سنة" أيضا، ولكن في لغة من يجعل لامها المحذوفة هاء، وهم الحجازيون، والأصل: سنيهة، يدل على ذلك التصغير والتكسير، قالوا: سنيهة وسنيهات وسانهت، قال شاعرهم:
1053 - وليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح
وقرأ "لم يسنه" بإدغام التاء في السين، والأصل: "لم يتسنه" [ ص: 565 ] كما قرئ "لا يسمعون إلى الملأ"، والأصل: يتسمعون فأدغم. وقرأ طلحة بن مصرف: "لمئة سنة". أبي:
قوله: "ولنجعلك" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه متعلق بفعل محذوف مقدر بعده، تقديره: ولنجعلك فعلنا ذلك. والثاني: أنه معطوف على محذوف تقديره: فعلنا ذلك لتعلم قدرتنا ولنجعلك. الثالث: أن الواو زائدة، واللام متعلقة بالفعل قبلها أي: وانظر إلى حمارك لنجعلك. وليس في الكلام تقديم وتأخير كما زعم بعضهم فقال: إن قوله: "ولنجعلك" مؤخر بعد قوله: "وانظر إلى العظام"، وأن الأنظار الثلاثة منسوقة بعضها على بعض، فصل بينها بهذا الجار، لأن النظر الثالث من تمام الثاني، فلذلك لم تجعل هذه العلة فاصلة معترضة. وهذه اللام لام كي، والفعل بعدها منصوب بإضمار "أن" وهي وما بعدها من الفعل في محل جر على ما سبق بيانه غير مرة. و "آية" مفعول ثان لأن الجعل هنا بمعنى التصيير. و "للناس" صفة لـ آية، و "أل" في الناس قيل: للعهد إن عنى بهم بقية قومه. وقيل: للجنس إن عنى جميع بني آدم.
قوله: "كيف" منصوب نصب الأحوال، والعامل فيها "ننشزها" وصاحب الحال الضمير المنصوب في "ننشزها"، ولا يعمل في هذه الحال "انظر"، إذ الاستفهام له صدر الكلام، فلا يعمل فيه ما قبله، هذا هو القول في هذه المسألة ونظائرها. وقال "كيف ننشزها في موضع الحال من [ ص: 566 ] "العظام"، والعامل في "كيف" ننشزها، ولا يجوز أن يعمل فيها "انظر" لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ولكن "كيف" و "ننشزها" جميعا حال من "العظام"، والعامل فيها "انظر" تقديره: انظر إلى العظام محياة وهذا ليس بشيء، لأن هذه جملة استفهام، والاستفهام لا يقع حالا، وإنما الذي يقع حالا وحده "كيف"، ولذلك تبدل منه الحال بإعادة حرف الاستفهام نحو: "كيف ضربت زيدا أقائما أم قاعدا" ؟ أبو البقاء:
والذي يقتضيه النظر الصحيح في هذه المسألة وأمثالها أن تكون جملة "كيف ننشزها" بدلا من "العظام"، فتكون في محل نصب، وذلك أن "نظر" البصرية تتعدى بـ "إلى"، ويجوز فيها التعليق كقوله تعالى: "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض" فتكون الجملة في محل نصب; لأن ما يتعدى بحرف الجر يكون ما بعده في محل نصب به. ولا بد من حذف مضاف لتصح البدلية، والتقدير: إلى حال العظام، ونظيره قولهم: "عرفت زيدا: أبو من هو؟ فأبو من هو بدل من "زيدا"، على حذف تقديره: "عرفت قصة زيد". والاستفهام في باب التعليق لا يراد به معناه، بل جرى في لسانهم معلقا عليه حكم اللفظ دون المعنى، و [هو] نظير "أي" في الاختصاص نحو: "اللهم اغفر لنا أيتها العصابة" فاللفظ كالنداء في جميع أحكامه، وليس معناه عليه.
وقرأ والحرميان: "ننشرها" بضم النون وكسر الشين والراء المهملة، والباقون كذلك إلا أنها بالزاي المعجمة. أبو عمرو بفتح النون وضم الشين والراء المهملة أيضا. وابن عباس كذلك إلا أنها بالزاي المعجمة، ونقل عنه أيضا ضم الياء وفتحها مع الراء والزاي. والنخعي
[ ص: 567 ] فأما قراءة الحرميين: فمن "أنشر الله الموتى" بمعنى أحياهم، وأما قراءة فمن "نشر" ثلاثيا، وفيه حينئذ وجهان، أحدهما: أن يكون بمعنى أفعل فتتحد القراءتان. والثاني: أن يكون من "نشر" ضد طوى أي يبسطها بالإحياء، ويكون "نشر" أيضا مطاوع أنشر، نحو: أنشر الله الميت فنشر، فيكون المتعدي واللازم بلفظ واحد، إلا أن كونه مطاوعا لا يتصور في هذه الآية الكريمة لتعدي الفعل فيها، وإن كان في عبارة ابن عباس في هذا الموضع بعض إبهام. ومن مجيء "نشر" لازما قوله: أبي البقاء
1054 - حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
وأما قراءة الزاي فمن "النشز" وهو الارتفاع، ومنه: "نشز الأرض" وهو المرتفع، ونشوز المرأة وهو ارتفاعها عن حالها إلى حالة أخرى، فالمعنى: يحرك العظام ويرفع بعضها إلى بعض للإحياء. قال "ويقلق عندي أن يكون النشوز رفع العظام بعضها إلى بعض، وإنما النشوز الارتفاع قليلا قليلا"، قال: "وانظر استعمال ابن عطية: العرب تجده كذلك، ومنه: "نشز ناب البعير" و "أنشزوا فأنشزوا"، فالمعنى هنا على التدرج في الفعل فجعل النشوز ارتفاعا خاصا. ابن عطية
ومن ضم النون فمن "أنشز"، ومن فتحها فمن "نشز"، يقال: "نشزه" و "أنشزه" بمعنى. ومن قرأ بالياء فالضمير لله تعالى. وقرأ "ننشئها" من [ ص: 568 ] النشأة. ورجح بعضهم قراءة الزاي على الراء بأن قال: العظام لا تحيا على الانفراد بل بانضمام بعضها إلى بعض، والزاي أولى بهذا المعنى، إذ هو بمعنى الانضمام دون الإحياء، فالموصوف بالإحياء الرجل دون العظام، ولا يقال: هذا عظم حي، وهذا ليس بشيء لقوله: أبي "من يحيي العظام وهي رميم".
ولا بد من ضمير محذوف من قوله: "العظام" أي العظام منه، أي: من الحمار، أو تكون "أل" قائمة مقام الإضافة أي عظام حمارك.
قوله: "لحما" مفعول ثان لـ "نكسوها" وهو من باب أعطى، وهذا من الاستعارة، ومثله قول لبيد:
1055 - الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
إلا أن الشيخ رد عليه بأن شرط الإعمال على ما نص عليه النحويون اشتراك العاملين، وأدنى ذلك بحرف العطف - حتى لا يكون الفصل معتبرا - أو يكون العامل الثاني معمولا للأول نحو: "جاءني يضحك زيد" فإن "يضحك" حال عاملها "جاءني" فيجعل في "جاءني" أو في "يضحك" ضميرا حتى لا يكون الفعل فاصلا، ولا يرد على هذا جعلهم "آتوني أفرغ عليه قطرا"" يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"" وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله"" هاؤم اقرءوا كتابيه" من باب الإعمال، لأن هذه العوامل مشتركة بوجه ما من وجوه الاشتراك، ولم يحصر الاشتراك في العطف ولا العمل، فإذا كان على ما نصوا فليس العامل الثاني مشتركا مع الأول بحرف العطف ولا بغيره، ولا هو معمول للأول بل هو معمول لـ قال، و "قال" [ ص: 570 ] جواب "لما" إن قلنا إنها حرف، وعاملة في "لما" إن قلنا إنها ظرف، و "تبين" على هذا القول مخفوض بالظرف، ولم يذكر النحاة التنازع في نحو: "لو جاء قتلت زيدا" ولا "لما جاء ضربت زيدا" ولا "حين جاء قتلت زيدا" ولا "إذا جاء قتلت زيدا"، ولذلك حكى النحاة أن العرب لا تقول: "أكرمت أهنت زيدا" - يعني لعدم الاشتراك بين العاملين - وقد ناقض قوله حيث جعل الفاعل محذوفا كما تقدم في عبارته، والحذف ينافي الإضمار، فإن كان أراد بالإضمار في قوله: "وفاعل تبين مضمر" الحذف فهو قول لأنه لا يجيز إضمار المرفوع قبل الذكر فيدعي فيه الحذف وينشد: الكسائي،
1056 - تعفق بالأرطى لها وأرادها رجال فبذت نبلهم وكليب
1057 - هوينني وهويت الخرد العربا أزمان كنت منوطا بي هوى وصبا
وقرأ "تبين" مبنيا للمفعول، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده. ابن عباس: ابن السميفع "يبين" من غير تاء مبنيا للمفعول، والقائم مقامه ضمير كيفية الإحياء أو الجار والمجرور.
[ ص: 571 ] قوله: "قال أعلم" الجمهور على "قال" مبنيا للفاعل. وفي فاعله على قراءة حمزة "اعلم" أمرا من "علم" قولان، أظهرهما: أنه ضمير يعود على الله تعالى أو على الملك، أي: قال الله أو الملك لذلك المار اعلم. والثاني: أنه ضمير يعود على المار نفسه، نزل نفسه منزلة الأجنبي فخاطبها، ومنه: والكسائي:
1058 - ودع هريرة ... ... ... ...
[وقوله]:
1059 - ألم تغتمض عيناك ... ... ... ...
[قوله]:
1060 - تطاول ليلك ... ... ... ...
يعني نفسه. قال "كما تقول لنفسك: اعلم يا عبد الله، ويسمى هذا التجريد" يعني كأنه جرد من نفسه مخاطبا يخاطبه. وأما على قراءة غيرهما: "أعلم" مضارعا للمتكلم ففاعل "قال" ضمير المار، أي: قال المار: أعلم أنا. أبو البقاء:
[ ص: 572 ] وقرأ "قيل" مبنيا للمفعول. والقائم مقام الفاعل: إما ضمير المصدر من الفعل، وإما الجملة التي بعده، على حسب ما تقدم في أول السورة. الأعمش:
وقرأ حمزة "اعلم" على الأمر، والباقون: "أعلم" مضارعا والكسائي: والجعفي عن أبي بكر: "أعلم" أمرا من "أعلم"، والكلام فيها كالكلام في قراءة حمزة بالنسبة إلى فاعل "قال" ما هو؟ و "أن الله" في محل نصب، سادة مسد المفعولين، أو الأول والثاني محذوف على ما تقدم من الخلاف. والكسائي