آ . (4) قوله تعالى : من قبل : متعلق بأنزل ، والمضاف إليه الظرف محذوف لفهم المعنى تقديره : من قبلك أو من قبل الكتاب . والكتاب غلب على القرآن كالثريا . وهو في الأصل مصدر واقع موقع المفعول به أي : المكتوب ، وذكر المنزل في قوله "نزل عليك " ولم يذكره في قوله : " وأنزل التوراة والإنجيل " تشريفا لنبينا صلى الله عليه وسلم . "
قوله : هدى فيه وجهان ، أحدهما : أنه منصوب على المفعول من أجله ، والعامل فيه أنزل أي : أنزل هذين الكتابين لأجل هداية . ويجوز أن يكون متعلقا من حيث المعنى بنزل وأنزل معا ، وتكون المسألة من باب التنازع على إعمال الثاني ، والحذف من الأول تقديره : نزل عليك له أي : للهدى ، [ ص: 22 ] فحذفه ، ويجوز أن يتعلق بالفعلين معا تعلقا صناعيا لا على وجه التنازع ، بل بمعنى أنه علة للفعلين معا ، كما تقول : "أكرمت زيدا وضربت عمرا إكراما لك " يعني أن الإكرام علة للإكرام وللضرب .
والثاني : أن ينتصب على الحال من التوراة والإنجيل ، ولم يثن لأنه مصدر وفيه الأوجه المشهورة من حذف المضاف أي : ذوي هدى أو على المبالغة بأن جعلا نفس الهدى أو على جعلهما بمعنى هاديين . وقيل : إنه حال من الكتاب والتوارة والإنجيل ، وقيل : حال من الإنجيل فقط وحذف مما قبله لدلالة هذا عليه . وقال بعضهم : تم الكلام عند قوله تعالى : من قبل فيوقف عليه ويبتدأ قوله هدى للناس وأنزل الفرقان أي : وأنزل الفرقان هدى للناس . وهذا التقدير غير صحيح لأنه يؤدي إلى تقديم المعمول على حرف النسق وهو ممتنع ، لو قلت : "قام زيد مكتوفة وضربت هند " تعني : "وضربت هند مكتوفة " لم يصح البتة فكذلك هذا .
قوله : للناس يحتمل أن يتعلق بنفس "هدى " لأن هذه المادة تتعدى باللام كقوله تعالى : يهدي للتي هي أقوم وأن يتعلق بمحذوف لأنه صفة لهدى .
قوله : وأنزل الفرقان يحتمل أن يراد به جميع الكتب السماوية ، ولم يجمع لأنه مصدر بمعنى الفرق كالغفران والكفران ، وهو يحتمل أن يكون مصدرا واقعا موقع الفاعل أو المفعول والأول أظهر . وقال : "أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له ومدح من كونه فارقا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيما لشأنه وإظهارا لفضله " . قلت : قد يعتقد معتقد [ ص: 23 ] أن في كلامه هذا ردا لقوله الأول حيث قال : "إن " نزل "يقتضي التنجيم و " أنزل "يقتضي الإنزال الدفعي ، لأنه جوز أن يراد بالفرقان القرآن ، وقد جاء معه " أنزل " ، ولكن لا ينبغي أن يعتقد ذلك لأنه لم يقل : إن " أنزل "للإنزال الدفعي فقط ، بل يقول إن " نزل "بالتشديد يقتضي التفريق و " أنزل "يحتمل ذلك ويحتمل الإنزال الدفعي . الزمخشري
قوله : لهم عذاب يحتمل أن يرتفع " عذاب "بالفاعلية بالجار قبله لوقوعه خبرا عن " إن " ، ويحتمل أن يرتفع على الابتداء ، والجملة خبر " إن "والأول أولى ، لأنه من قبيل الإخبار بما يقرب من المفردات . وانتقام : افتعال من النقمة وهي السطوة والتسلط ، ولذلك عبر بعضهم عنها بالمعاقبة يقال : نقم ونقم ، بالفتح - وهو الأفصح - وبالكسر ، وقد قرئ بهما ، وسيأتي مزيد بيان في المائدة .