قوله : من الله في "من " هذه أربعة أوجه : أحدها : أنها لابتداء الغاية مجازا أي : من عذاب الله وجزائه . الثاني : أنها بمعنى عند ، قال : هي بمعنى عند كقوله : أبو عبيدة أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف أي : عند جوع وعند خوف ، وهذا ضعيف عند النحويين .
الثالث : أنها بمعنى بدل . قال : "قوله " الزمخشري من الله مثل قوله : إن الظن لا يغني من الحق شيئا ، والمعنى : لن تغني عنهم من رحمة الله أو من طاعته شيئا أي : بدل رحمته وطاعته وبدل الحق ، ومنه "ولا ينفع ذا الجد منك الجد " أي : لا ينفعه جده وحظه من الدنيا بدلك ، أي : بدل طاعتك وما عندك ، وفي معناه قوله تعالى : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، وهذا الذي ذكره من كونها بمعنى "بدل " جمهور النحاة يأباه ، فإن عامة ما أورده مجيز ذلك بتأوله الجمهور ، فمنه قوله : [ ص: 36 ]
1182 - جارية لم تأكل المرققا ولم تذق من البقول الفستقا
وقول الآخر :
1183 - أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ظلما ويكتب للأمير أفيلا
وقال تعالى : ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة .
الرابع : أنها تبعيضية ، إلا أن هذا الوجه لما أجازه الشيخ جعله مبنيا على إعراب "شيئا " مفعولا به ، بمعنى : لا يدفع ولا يمنع . قال : فعلى هذا يجوز أن تكون "من " في موضع الحال من شيئا ، لأنه لو تأخر لكان في موضع النعت له ، فلما تقدم انتصب على الحال ، وتكون "من " إذ ذاك للتبعيض . وهذا ينبغي ألا يجوز البتة ، لأن "من " التبعيضية تؤول بلفظ "بعض " مضافة لما جرته من ، ألا ترى أنك إذا قلت : "رأيت رجلا من بني تميم " معناه بعض بني تميم ، و "أخذت من الدارهم " : بعض الدراهم ، وهنا لا يتصور ذلك أصلا ، وإنما يصح جعله صفة لشيئا إذا جعلنا "من " لابتداء الغاية كقولك : "عندي درهم من زيد " أي : كائن أو مستقر من زيد ، ويمتنع فيها التبعيض ، والحال كالصفة في المعنى ، فامتنع أن تكون "من " للتبعيض مع جعله "من الله " حالا من "شيئا " ، والشيخ تبع في ذلك ، إلا أن أبا البقاء حين قال ذلك [ ص: 37 ] قدر مضافا صح به قوله ، والتقدير : شيئا من عذاب الله ، فكان ينبغي أن يتبعه [في هذا الوجه مصرحا بما يدفع ] هذا الرد الذي ذكرته . أبا البقاء
و "شيئا " : إما منصوب على المفعول به ، وقد تقدم تأويله ، وإما على المصدرية أي : شيئا من الإغناء . قوله : وأولئك هم وقود هذه الجملة تحتمل وجهين ، أحدهما : أن تكون مستأنفة . والثاني : أن تكون منسوقة على خبر إن ، و "هم " يحتمل الابتداء والفصل . وقرأ العامة : "وقود " بفتح الواو ، بضمها ، وقد تقدم تحقيق ذلك في البقرة ، وأن المصدرية محتملة في المفتوح الواو أيضا ، وحيث كان مصدرا فلا بد من تأويله فلا حاجة إلى إعادته هنا . والحسن