1288 - فألفيته يوما يبير عدوه وبحر عطاء يستخف المعابرا
ويقرب منه :
1289 - بات يغشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائر
إذ المعنى : مبيرا عدوه ، وقاصد ، وجاء بالثالثة فعلية لأنها في رتبتها ، إذ الحال وصف في المعنى ، وقد تقدم أنه إذا اجتمع صفات مختلفة في الصراحة والتأويل قدم الاسم ثم الظرف أو عديله ثم الجملة ، فكذا فعل هنا ، قدم الاسم وهو " وجيها " ثم الجار والمجرور ثم الفعل ، وأتى به مضارعا لدلالته على التجدد وقتا فوقتا ، بخلاف الوجاهة فإن المراد ثبوتها واستقرارها والاسم متكفل بذلك ، والجار قريب من المفرد فلذلك ثنى به إذ المقصود ثبوت تقريبه . والتضعيف في " المقربين " للتعدية لا للمبالغة لما تقدم من أن التضعيف للمبالغة لا يكسب الفعل مفعولا ، وهذا قد أكسبه مفعولا كما ترى بخلاف : "قطعت الأثواب " فإن التعدي حاصل قبل ذلك ، وجيء بالرابعة بقوله من الصالحين مراعاة للفاصلة كما تقدم في " المقربين " والمعنى : أن الله يبشرك بهذه الكلمة موصوفة بهذه الصفات الجميلة .
[ ص: 179 ] ومنع أن تكون أحوالا من المسيح أو من أبو البقاء عيسى أو من ابن مريم ، قال : "لأنها أخبار والعامل فيها الابتداء أو المبتدأ أو هما ، وليس شيء من ذلك يعمل في الحال " ومنع أيضا كونها حالا من الهاء في "اسمه " قال : "للفصل الواقع بينهما ، ولعدم العامل في الحال " قلت : ومذهبه أيضا أن الحال لا تجيء من المضاف إليه وهو مراده بقوله : "ولعدم العامل " وجاءت الحال من النكرة لتخصصها بالصفة بعدها . وظاهر كلام فيما نقله عن الواحدي ، أنه يجوز أن تكون أحوالا من عيسى فإنه قال : الفراء يسمي هذا قطعا كأنه قال : "والفراء عيسى ابن مريم الوجيه ، قطع منه التعريف " فظاهر هذا يؤذن بأن " وجيها " من صفة عيسى في الأصل فقطع عنه ، والحال وصف في المعنى .
قوله : في الدنيا متعلق بوجيها ، لما فيه من معنى الفعل . والوجيه : ذو الجاه وهو القوة والمنعة والشرف ، يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة ، واشتقاقه من الوجه لأنه أشرف الأعضاء ، والجاه مقلوب منه فوزنه عفل .
آ . (46) وقوله تعالى : في المهد : يجوز فيه وجهان : أحدهما : - وهو الظاهر- أنه متعلق بمحذوف ، على أنه حال من الضمير في "يكلم " أي : يكلمهم صغيرا وكهلا ، فكهلا على هذا نسق على هذه الحال المؤولة . والثاني : أنه ظرف للتكليم كسائر الفضلات ، فكهلا على هذا نسق على وجيها فعلى هذا يكون خمسة أحوال .
والكهل : من بلغ سن الكهولة وأولها ثلاثون ، وقيل : اثنان ، وقيل : ثلاث وثلاثون . وقيل : أربعون ، وآخرها ستون ، ثم يدخل في سن الشيخوخة واشتقاقه من اكتهل النبات : إذا علا وأربع ، ومنه : الكاهل ، وقال صاحب [ ص: 180 ] المجمل : "اكتهل الرجل : وخطه الشيب من قولهم : اكتهلت الروضة إذا عمها النور ، والمرأة : كهلة " . وقال : "والكهل من وخطه الشيب ، واكتهل النبات : إذا شارف اليبوسة مشارفة الكهل الشيب ، وأنشد قول الراغب الأعشى في وصف روضة :
1290 - يضاحك الشمس منها كوكب شرق مؤزر بعميم النبت مكتهل
وقد تقدم الكلام في تنقل أحوال الولد من لدن كونه في البطن إلى شيخوخته عند ذكر " غلام "فلا نعيده .
وقال بعضهم : " ما دام في بطن أمه فهو جنين ، فإذا ولد فوليد ، فإذا لم يستتم الأسبوع فصديع ، وما دام يرضع فهو رضيع ، ثم هو فطيم عند الفطام ، وإذا لم يرضع فمحوش ، فإذا دب فدارج ، فإذا سقطت رواضعه فثغور ، فإذا نبتت بعد إسقاطه فمثغور ومتغور ، فإذا جاوز العشر فمترعرع وناشئ ، فإذا لم يبلغ الحلم فيافع ومراهق ، فإذا احتلم فحزور ، والغلام يطلق عليه في جميع أحواله بعد الولادة ، فإذا اخضر شاربه وسال عذاره فباقل ، فإذا صار ذا لحية ففتي وشارخ ، فإذا ما كملت لحيته فمتجمع ، ثم هو من الثلاثين إلى الأربعين شاب ، ومن الأربعين إلى ستين كهل "ولأهل اللغة عبارات مختلفة في ذلك ، هذا أشهرها .
[ ص: 181 ] فإن قيل : [المستغرب إنما هو كلام الطفل في ] المهد ، وأما كلام الكهول فغير مستغرب ، فالجواب أنهم قالوا : لم يتكلم صبي في المهد وعاش ، أو لم يتكلم أصلا بل يبقى أخرس أبدا ، فبشر الله مريم بأن هذا يتكلم طفلا ويعيش ويتكلم في حال كهولته ، ففيه تطمين لخاطرها بما يخالف العادة . وقال : " بمعنى يكلم الناس طفلا وكهلا ، ومعناه يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين الحالتين : حالة الطفولة وحالة الكهولة " . الزمخشري
والمهد : ما يهيأ للصبي أن يربى فيه ، من مهدت له المكان أي : وطأته ولينته له ، وفيه احتمالان ، أحدهما : أن يكون أصله المصدر ، فسمي به المكان ، وأن يكون بنفسه اسم مكان غير مصدر ، وقد قرئ مهدا ومهادا في طه كما سيأتي .