وقرأ العامة "كلمة " بفتح الكاف وكسر اللام ، وهو الأصل . وأبو السمال "كلمة " بزنة سدرة ، وكلمة كضربة ، وتقدم هذا قريبا . و "كلمة " مفسرة بما بعدها من قوله : ألا نعبد فالمراد بها كلام كثير ، وهذا من باب إطلاق الجزء ، والمراد به الكل ، ومنه تسميتهم القصيدة جمعا : قافية ، والقافية جزء منها ، قال :
1318 - أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
ويقولون : "كلمة الشهادة " يعنون : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لبيد " يريد قوله : أصدق كلمة قالها شاعر كلمة
[ ص: 232 ]
1319 - ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
وهذا كما يسمون الشيء بجزأيه في الأعيان لأنه المقصود منه ، قالوا لربيبة القوم - وهو الذي ينظر لهم ما يحتاجون إليه - عين ، فأطلقوا عليه عينا . وقال بعضهم : وضع المفرد موضع الجمع ، كما قال :
1320 - بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
وقيل : أطلقت الكلمة على الكلمات لارتباط بعضها ببعض ، فصارت في قوة الكلمة الواحدة ، إذا اختل جزء منها اختلت الكلمة ، لأن كلمة التوحيد : لا إله إلا الله ، هي كلمات لا تتم النسبة المقصودة فيها من حصر الإلهية في الله إلا بمجموعها .
وقرأ العامة : "سواء " بالجر نعتا لكلمة بمعنى عدل ، ويدل عليه قراءة : "إلى كلمة عدل " وهذا تفسير لا قراءة . و "سواء " في الأصل مصدر ، ففي الوصف التأويلات الثلاثة المعروفة ، ولذلك لم يؤنث كما لم يؤنث بـ "امرأة عدل " . عبد الله
وقرأ : "سواء " بالنصب وفيها وجهان ، أحدهما : نصبها على المصدر ، قال الحسن : "بمعنى استوت استواء " ، وكذا الزمخشري . والثاني : أنه منصوب على الحال ، وجاءت الحال من النكرة ، وقد نص الحوفي عليه واقتاسه ، وكذا قال الشيخ ، ولكن المشهور غيره ، والذي حسن مجيئها [ ص: 233 ] من النكرة هنا كون الوصف بالمصدر على خلاف الأصل ، والصفة والحال متلاقيان من حيث المعنى ، وكأن الشيخ غض من تخريج سيبويه الزمخشري والحوفي فقال : "والحال والصفة متلاقيان من حيث المعنى ، والمصدر يحتاج إلى إضمار عامل وإلى تأويل " سواء "بمعنى استواء ، والأشهر استعمال " سواء "بمعنى اسم الفاعل أي : " مستو "قلت : وبذلك فسرها فقال : " إلى كلمة مستوية " . ابن عباس
قوله : ألا نعبد فيه ستة أوجه ، أحدها : أنه بدل من " كلمة "بدل كل من كل ، الثاني : أنه بدل من " سواء " ، جوزه ، وليس بواضح ، لأن المقصود إنما هو الموصوف لا صفته ، فنسبة البدلية إلى الموصوف أولى . وعلى الوجهين فإن وما في حيزها في محل جر . الثالث : أنه في محل رفع خبرا لمبتدأ مضمر ، والجملة استئناف جواب لسؤال مقدر ، لأنه لما قيل : تعالوا إلى كلمة "قال قائل : ما هي ؟ فقيل : هي أن لا نعبد ، وعلى هذه الأوجه الثلاثة فـ " بين "منصوب بسواء ظرف له أي : يقع الاستواء في هذه الجهة ، وقد صرح بذلك أبو البقاء زهير حيث قال :
1321 - أرونا خطة لا غيب فيها يسوي بيننا فيها السواء
والوقف التام حينئذ عند قوله من دون الله لارتباط الكلام معنى وإعرابا . الرابع : أن تكون " أن "وما في حيزها في محل رفع بالابتداء ، والخبر الظرف قبله .
الخامس : جوز أن يكون فاعلا بالظرف قبله ، وهذا إنما [ ص: 234 ] يتأتى على رأي أبو البقاء ، إذ لم يعتمد الظرف ، وحينئذ يكون الوقف على " سواء "ثم يبتدأ بقوله : الأخفش بيننا وبينكم ألا نعبد وهذا فيه بعد من حيث المعنى ثم إنهم جعلوا هذه الجملة صفة لكلمة ، وهذا غلط لعدم رابط بين الصفة والموصوف وتقدير العائد ليس بالسهل ، وعلى هذا فقول : " وقيل : تم الكلام على "سواء " ثم استأنف فقال : أبي البقاء بيننا وبينكم ألا نعبد أي بيننا وبينكم التوحيد ، فعلى هذا يكون "أن لا نعبد " مبتدأ ، والظرف خبره ، والجملة صفة للكلمة " غير واضح ، لأنه من حيث جعلها صفة كيف يحسن أن يقول : تم الكلام على " سواء "ثم استأنف ، بل كان الصواب على هذا الإعراب أن تكون الجملة استئنافية كما تقدم .
السادس : أن يكون " أن لا نعبد "مرفوعا بالفاعلية بسواء ، وإلى هذا ذهب الزماني فإن التقدير عنده : إلى كلمة مستوفيها بيننا وبينكم عدم عبادة غير الله تعالى ، قال الشيخ : " إلا أن فيه إضمار الرابط وهو "فيها " وهو ضعيف " .
قوله : فإن تولوا فقولوا قال : " هو ماض ولا يجوز أن يكون التقدير : "فإن تتولوا " لفساد المعنى لأن قوله : أبو البقاء فقولوا اشهدوا خطاب للمؤمنين وتتولوا "للمشركين ، وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب الشرط والتقدير : فقولوا : لهم . وهذا الذي قاله ظاهر جدا .