هذه الجملة يجوز ألا يكون لها محل من الإعراب لاستئنافها، وأن يكون محلها الجر لعطفها على "قال ربك".
و"علم" هذه متعدية إلى اثنين، وكانت قبل التضعيف متعدية لواحد لأنها عرفانية، فتعدت بالتضعيف لآخر، وفرقوا بين "علم" العرفانية واليقينية في التعدية، فإذا أرادوا أن يعدوا العرفانية عدوها بالتضعيف، وإذا أرادوا أن يعدوا اليقينية عدوها بالهمزة، ذكر ذلك أبو علي الشلوبين، وفاعل "علم" يعود على الباري تعالى، و"آدم" مفعوله.
[ ص: 262 ] وفيه ستة أقوال:
أرجحها [أنه] اسم أعجمي غير مشتق، ووزنه فاعل كنظائره نحو: آزر وشالح، وإنما منع من الصرف للعلمية والعجمة الشخصية.
الثاني: أنه مشتق من الأدمة، وهي حمرة تميل إلى السواد.
الثالث: أنه مشتق من أديم الأرض، [وهو أوجهها ومنع من الصرف على هذين القولين للوزن والعلمية.
الرابع: أنه مشتق من أديم الأرض] - أيضا - على هذا الوزن أعني وزن فاعل وهذا خطأ؛ لأنه كان ينبغي أن ينصرف.
الخامس: أنه عبري من الإدام وهو التراب.
السادس: قال "إنه في الأصل فعل رباعي مثل: أكرم، وسمي به لغرض إظهار الشيء حتى تعرف جهته". الطبري:
والحاصل أن ادعاء الاشتقاق فيه بعيد؛ لأن الأسماء الأعجمية لا يدخلها اشتقاق ولا تصريف، وآدم وإن كان مفعولا لفظا فهو فاعل معنى، و"الأسماء" مفعول ثان، والمسألة من باب أعطى وكسا، وله أحكام تأتي إن شاء الله تعالى.
وقرئ: "علم" مبنيا للمفعول، و"آدم" رفعا لقيامه مقام الفاعل.
و"كلها" تأكيد للأسماء تابع أبدا، وقد يلي العوامل كما تقدم.
وقوله "الأسماء كلها" الظاهر أنه لا يحتاج إلى ادعاء حذف؛ لأن المعنى: وعلم آدم الأسماء، [ولم يبين لنا أسماء مخصوصة، بل دل (كلها) على الشمول، والحكمة حاصلة بتعلم الأسماء] ، وإن لم يعلم مسمياتها، أو يكون أطلق الأسماء وأراد المسميات، فعلى هذين الوجهين لا حذف.
وقيل: لا بد من حذف واختلفوا فيه، فقيل: تقديره: أسماء المسميات، فحذف المضاف إليه [ ص: 263 ] للعلم.
قال : "وعوض منه اللام، كقوله تعالى: الزمخشري واشتعل الرأس شيبا ورجح هذا القول بقوله تعالى: أنبئوني بأسماء هؤلاء فلما أنبأهم بأسمائهم ولم يقل: أنبئوني بهؤلاء فلما أنبأهم بهم.
ولكن في قوله: "وعوض منه اللام" نظر؛ لأن الألف واللام لا يقومان مقام الإضافة عند البصريين .
وقيل: تقديره مسميات الأسماء، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ورجح هذا القول بقوله تعالى: ثم عرضهم لأن الأسماء لا تجمع كذلك، فدل عوده على المسميات.
ونحو هذه الآية قوله تعالى: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج تقديره: أو كذي ظلمات، فالهاء في "يغشاه" تعود على "ذي" المحذوف.
قوله: ثم عرضهم على الملائكة "ثم" حرف للتراخي كما تقدم، والضمير في "عرضهم" للمسميات المقدرة أو لإطلاق الأسماء وإرادة المسميات، كما تقدم.
وقيل: يعود على الأسماء، ونقل عن ويؤيده قراءة من قرأ: "عرضها وعرضهن" إلا أن في هذا القول جعل ضمير غير العقلاء كضمير العقلاء، أو نقول: إنما قال ابن عباس، ذلك بناء منه أنه أطلق الأسماء وأراد المسميات كما تقدم، وهو واضح. ابن عباس
و"على الملائكة" متعلق بـ"عرضهم".
[ ص: 264 ] قوله: أنبئوني بأسماء هؤلاء الإنباء: الإخبار، وأصل "أنبأ" أن يتعدى لاثنين ثانيهما بحرف الجر كهذه الآية، وقد يحذف الحرف، قال تعالى: من أنبأك هذا أي: بهذا وقد يتضمن معنى "أعلم" اليقينية، فيتعدى تعديتها إلى ثلاثة مفاعيل، ومثل أنبأ: نبأ وأخبر، وخبر وحدث.
و"هؤلاء" في محل خفض بالإضافة وهو اسم إشارة، ورتبته دنيا، ويمد ويقصر، كقوله:
346 - هؤلا ثم هؤلا كلا أعطيـ ـت نعالا محذوة بمثال
والمشهور بناؤه على الكسر، وقد يضم وقد ينون مكسورا، وقد تبدل همزته هاء، فتقول: هؤلاه، وقد يقال: هولا، كقوله:
347 - تجلد لا يقل هولا هذا بكى لما بكى أسفا عليكما
ولامه عند همزة فتكون فاؤه ولامه من مادة واحدة، وعند الفارسي أصلها ياء، وإنما قلبت همزة لتطرفها بعد الألف الزائدة. المبرد
قوله: إن كنتم صادقين قد تقدم نظيره، وجوابه محذوف، أي: إن كنتم صادقين فأنبئوني، والكوفيون يرون أن الجواب هو المتقدم، وهو مردود بقولهم: "أنت ظالم إن فعلت"؛ لأنه لو كان جوابا لوجبت الفاء [ ص: 265 ] معه، كما تجب متأخرا، وقال والمبرد : "إن كون الجواب محذوفا هو رأي ابن عطية وكونه متقدما هو رأي المبرد، " وهو وهم. سيبويه