الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (122) قوله تعالى : إذ همت في هذا الظرف أوجه ، أحدها : أنه بدل من "إذ غدوت " فالعامل فيه العامل في المبدل منه . الثاني : أنه ظرف لـ "غدوت " . الثالث : أنه ظرف لـ "تبوئ " وهذه الأوجه تحتاج إلى نقل تاريخي في اتحاد الزمانيين . الرابع : أن الناصب له "عليم " وحده ، ذكره أبو البقاء . الخامس : أن العامل فيه : إما "سميع " وإما "عليم " على سبيل التنازع ، وتكون المسألة حينئذ من إعمال الثاني ، إذ لو أعمل الأول لأضمر في الثاني ، ولم يحذف منه شيئا كما قد عرفته غير مرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "أو عمل فيه معنى " سميع عليم " . قال الشيخ " وهذا غير محرر ، لأن العامل لا يكون مركبا من وصفين ، فتحريره أن يقال : عمل فيه معنى سميع أو عليم ، وتكون المسألة من التنازع " . قلت : لم يرد [ ص: 382 ] الزمخشري بذلك إلا ما ذكرته من إرادة التنازع ، ويصدق أن يقول : عمل فيه هذا وهذا بالمعنى المذكور لا أنهما عملا فيه معا ، على أنه لو قيل به لم يكن مبتدعا قولا ، إذ الفراء يرى ذلك ، ويقول في نحو : " ضربت وأكرمت زيدا "إن " زيدا "منصوب بهما وإنهما تسلطا عليه معا ، ولتنقيح هذه المسألة موضوع غير هذا حررتها فيه بحمد الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      والهم : العزم . وقيل : بل هو دونه ، وذلك أن أول ما يمر بقلب الإنسان يسمى خاطرا ، فإذا قوي سمي حديث نفس ، فإذا قوي سمي هما ، فإذا قوي سمي عزما ، ثم بعده إما قول أو فعل ، وبعضهم يعبر عن الهم بالإرادة ، تقول العرب : هممت بكذا أهم به - بضم الهاء - ، ويقال : " همت "بميم واحدة ، حذفوا إحدى الميمين تخفيفا كما قالوا : مست وظلت وحست في مسست وظللت وحسست ، وهو غير مقيس . والهم أيضا : الحزن الذي يذيب صاحبه وهو مأخوذ من قولهم : " هممت الشحم "أي : أذبته . والهم الذي في النفس قريب منه ؛ لأنه قد يؤثر في نفس الإنسان كما يؤثر الحزن ، ولذلك قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      1421 - وهمك ما لم تمضه لك منصب ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      أي : إنك إذا هممت بشيء ولم تفعله ، وجال في نفسك فأنت في تعب منه حتى تقضيه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أن تفشلا متعلق بـ " همت "لأنه يتعدى بالباء ، والأصل : بأن تفشلا ، فيجري في محل " أن "الوجهان المشهوران . والفشل : الجبن والخور . وقال بعضهم : " الفشل في الرأي : العجز ، وفي البدن : الإعياء وعدم [ ص: 383 ] النهوض ، وفي الحرب الجبن والخور "والفعل منه " فشل "بكسر العين ، وتفاشل الماء إذا سال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وعلى الله متعلق بقوله : " فليتوكل "قدم للاختصاص ولتناسب رؤوس الآي . وقد تقدم القول في نحو هذه الفاء . وقال أبو البقاء : " ودخلت الفاء لمعنى الشرط ، والمعنى : إن فشلوا فتوكلوا أنتم ، أو إن صعب الأمر فتوكلوا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية