وقيل : " إذا "بمعنى " إذ "وليس بشيء . وقدر الشيخ مضافا محذوفا هو عامل في " إذا "تقديره : " وقالوا لهلاك إخوانهم "أي مخافة أن يهلك إخوانهم إذا سافروا أو غزوا ، فقدر العامل مصدرا منحلا لـ " أن "والمضارع حتى يكون مستقبلا قال : " ولكن يصير الضمير في قوله : لو كانوا عندنا عائدا على "إخوانهم " في اللفظ وهو لغيرهم في المعنى أي : يعود على إخوان آخرين وهم الذي تقدم موتهم بسبب سفر أو غزو ، وقصدهم بذلك تثبيط الباقين ، وهو نظير : "درهم ونصفه " ، وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره وقول : النابغة
[ ص: 453 ]
1477 - قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا ونصفه فقد
أي . نصف درهم آخر ، ومعمر آخر ، وحمام آخر " .
واللام في " لإخوانهم "للعلة ، وليست هنا للتبليغ كالتي في قولك : " قلت لزيد : افعل كذا " .
والجمهور على " غزى "بالتشديد جمع " غاز "وقياسه : غزاة كرام ورماة ، ولكنهم حملوا المعتل على الصحيح في نحو : ضارب وضرب ، وصائم وصوم . والزهري : " غزى "بتخفيفها ، وفيه وجهان : أنه خفف الزاي كراهية التثقيل في الجمع . والثاني : أن أصله " غزاة "كقضاة ورماة ، ولكنه حذف تاء التأنيث ، لأن نفس الصيغة دالة على الجمع ، فالتاء مستغنى عنها . وقال والحسن : وهذا الحذف كثير في كلامهم ، ومنه قول الشاعر يمدح ابن عطية : الكسائي
1478 - أبى الذم أخلاق الكسائي وانتحى به المجد أخلاق الأبو السوابق
يريد : "الأبوة " جمع أب ، كما أن "العمومة " جمع عم " ، و " البنوة "جمع ابن ، وقد قالوا : ابن وبنو . وقد رد عليه الشيخ هذا : بأن الحذف ليس بكثير ، وأن قوله : " حذفت التاء من "عمومة " ليس كذلك ، بل الأصل "عموم " [ ص: 454 ] من غير تاء ، ثم أدخلوا عليها التاء لتأكيد الجمع ، فما جاء على "فعول " من غير تاء فهو الأصل نحو : عموم وفحول ، وما جاء فيه التاء فهو الذي يحتاج إلى تأويله بالجمع ، لم يبن على هذه التاء حتى يدعى حذفها ، وهذا بخلاف "قضاة " وبابه بني عليها فيمكن ادعاء الحذف فيه ، وأما "أبوة " و "بنوة " فليسا جمعين بل مصدرين وأما "أبو " في البيت فهو شاذ عند النحاة من جهة أنه كان من حقه أن يعله فيقول : "أبي " بقلب الواوين ياءين نحو : عصي .
ويقال : غزاء بالمد أيضا وهو شاذ ، وتحصل في "غاز " ثلاثة جموع في التكسير : غزاة كقضاة ، وغزى كصوم ، وغزاء كصوام ، وجمع رابع جمع سلامة ، والجملة كلها في محل نصب بالقول .
قوله : ليجعل الله في هذه اللام قولان ، أحدهما : أنها لام "كي " والثاني : أنها لام العاقبة والصيرورة ، وعلى القول الأول فبم تتعلق هذه اللام ؟ وفيه وجهان ، فقيل : التقدير : أوقع ذلك أي القول أو المعتقد - ليجعله حسرة ، أو ندمهم ، كذا قدره ، وأجاز أبو البقاء : أن تتعلق بجملة النهي ، وذلك على معنيين باعتبار ما يراد باسم الإشارة على ما سيأتي بيانه في كلامه : أما الاعتبار الأول فإنه قال : "يعني : لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واعتقاده ليجعله الله حسرة في قلوبهم خاصة ، ويصون منها قلوبكم " فجعل "ذلك " إشارة إلى القول والاعتقاد . وأما الاعتبار الثاني فإنه قال : "ويجوز أن يكون " ذلك "إشارة إلى ما دل عليه النهي أي : لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم ، لأن مخالفتهم فيما يقولون ، ويعتقدون مما يغمهم ويغيظهم " . الزمخشري
[ ص: 455 ] وقد رد عليه الشيخ المعنى الأول بالمعنى الثاني الذي ذكره هو ، ولا بد من إيراده ليتبين لك . قال بعد ما حكى عنه ما نقلته في المعنى الأول : "وهذا كلام مثبج لا تحقيق [فيه ] لأن جعل الحسرة لا يكون سببا للنهي كما قلنا . إنما يكون سببا لحصول امتثال النهي ، وهو انتفاء المماثلة ، فحصول ذلك الانتفاء والمخالفة فيما يقولون ويعتقدون يحصل عنه ما يغيظهم ويغمهم إذ لم يوافقوهم فيما قالوه واعتقدوه فلا تضربوا ولا تغزوا ، فالتبس على استدعاء انتقاء المماثلة بحصول الانتفاء ، وفهم هذا فيه خفاء ودقة " انتهى . ولا أدري ما وجه تثبيج كلام الزمخشري ، وكيف رد عليه على زعمه بكلامه ؟ أبي القاسم
وقال الشيخ أيضا : "وقال وغيره اللام متعلقة بالكون ، أي لا تكونوا كهؤلاء ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم دونكم ، ومنه أخذ ابن عيسى - يعني الرماني- في قوله ، لكن الزمخشري نص على ما تتعلق به اللام ، وذاك لم ينص ، وقد بينا فساد هذا القول " . انتهى . وقوله : "وذلك لم ينص " بل قد نص ، وقال : "فإن قلت ما متعلق ليجعل ؟ قلت : " قالوا "إلى آخره ، أو بقوله : " لا تكونوا " ، وأي نص أظهر من هذا ؟ ولا يجوز تعلق هذه اللام - ومعناها التعليل - بـ " قالوا "لفساد المعنى ، لأنهم لم يقولوه لذلك بل لتثبيط المؤمنين عن الجهاد . ابن عيسى
وعلى القول الثاني - أعني كونها للعاقبة - تتعلق بـ " قالوا "والمعنى : أنهم قالوا ذلك لغرض من أغراضهم ، فكان عاقبة قولهم ومصيره إلى الحسرة والندامة كقوله : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ، لم يلتقطوه [ ص: 456 ] لذلك ، لكن كان مآله لذلك ، ولكن كونها للصيرورة لم يعرفه أكثر النحويين ، وإنما هو شيء ينسبونه للأخفش ، وما ورد من ذلك يؤولونه على العكس من الكلام نحو : فبشرهم بعذاب ، وهذا رأي ، فإنه شبه هذه اللام باللام في الزمخشري ليكون لهم عدوا ، ومذهبه في تيك أنها للعلة بالتأويل المذكور . والجعل هنا بمعنى التصيير ، و " حسرة "مفعول ثان ، و " في قلوبهم "يجوز أن يتعلق بالجعل - وهو أبلغ - أو بمحذوف على أنه صفة للنكرة قبله .
واختلف في المشار إليه بذلك : فعن : هو الظن ، ظنوا أنهم لو لم يحضروا لم يقتلوا . وقال الزجاج : " هو النطق بالقول والاعتقاد " . وقريب منه قول الزمخشري ، وأجاز ابن عطية أيضا أن يكون للنهي والانتهاء معا . وقيل هو مصدر " قال "المدلول عليه به . ابن عطية
والله بما تعملون بصير قرأ ابن كثير وحمزة : " يعملون "بالغيبة ردا على الذين كفروا ، والباقون بالخطاب ردا على قوله : والكسائي لا تكونوا فهو خطاب للمؤمنين . وجاء هنا بصفة البصر ، قال : " علق ذلك بالبصر لا بالسمع ، وإن كان الصادر منهم قولا مسموعا لا فعلا مرئيا ، لما كان ذلك القول من الكافر قصدا منه إلى عمل يحاوله ، فخص البصر بذلك ، كقولك لمن يقول شيئا وهو يقصد فعلا يحاوله : أنا أرى ما تفعله " . الراغب