قوله : وأن الله عطف على "ما " المجرورة بالباء أي : ذلك العقاب حاصل بسبب كسبكم وعدم ظلمه لكم . وهنا سؤال : وهو أن "ظلاما " صيغة مبالغة تقتضي التكثير ، فهي أخص من "ظالم " ، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم ، فإذا قلت : "زيد ليس بظلام " أي : ليس يكثر الظلم ، مع جواز أن يكون ظالما ، وإذا قلت : "ليس بظالم " انتفى الظلم من أصله ، فكيف قال تعالى : ليس بظلام للعبيد ؟ وفي ذلك خمسة أوجه ، ذكر منها أربعة . أبو البقاء
الأول : أن "فعالا " قد لا يراد به التكثير كقول طرفة :
1502 - ولست بحلال التلاع لبيته ولكن متى يسترفد القوم أرفد
لا يريد هنا أنه يحل التلاع قليلا ؛ لأن ذلك يدفعه آخر البيت الذي يدل على نفي البخل على كل حال ، وأيضا تمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة . الثاني : أنه للكثرة ، ولكنه لما كان مقابلا بالعباد وهم كثيرون ناسب أن يقابل الكثير بالكثير . والثالث : أنه إذا نفى الظلم الكثير انتفى القليل [ ص: 516 ] ضرورة ؛ لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان للظلم القليل المنفعة أترك . الرابع : أن يكون على النسب أي : لا ينسب إليه ظلم ، فيكون من باب : بزار وعطار ، كأنه قيل : ليس بذي ظلم البتة . والخامس : قال القاضي أبو بكر : "العذاب الذي توعد أن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما فنفاه على حد عظمته لو كان ثابتا " .
وقال - بعد تفرقته بين جمعي "عبد " على عبيد وعباد - : فالعبيد إذا أضيف إلى الله تعالى أعم من العباد ، ولهذا قال : الراغب وما أنا بظلام للعبيد فنبه على أنه لا يظلم من تخصص بعبادته ومن انتسب إلى غيره من الذين تسموا بعبد الشمس وعبد اللات " ، وكان قد قدم الفرق بين " عبيد "و " عباد "فقال : " وجمع العبد الذي هو مسترق " : " عبيد " ، وقيل : " عبدى " ، وجمع العبد الذي هو العابد " عباد " . وقد تقدم اشتقاق هذه اللفظة وجموعها وما قيل فيها . الراغب