بسم الله الرحمن الرحيم
آ . (1) قوله تعالى : من نفس : متعلق بـ "خلقكم " فهو في محل نصب . و "من " لابتداء الغاية . وكذلك "منها زوجها " ، و " وبث منهما " . : "واحد " من غير تاء ، وله وجهان ، أحدهما : مراعاة المعنى ، لأن المراد بالنفس وابن أبي عبلة آدم عليه السلام . والثاني : أن النفس تذكر وتؤنث ، وعليه :
1524 - ثلاثة أنفس وثلاث ذود ... ... ... ...
قوله : "وخلق " فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه عطف على معنى "واحدة " لما فيه من معنى الفعل كأنه قيل : "من نفس وحدت " أي انفردت ، يقال : "وحد ، يحد ، وحدا وحدة " ، بمعنى انفرد . الثاني : أنه عطف على محذوف ، قال : "كأنه قيل : من نفس واحدة أنشأها - أو ابتدأها - وخلق منها وإنما حذف لدلالة المعنى عليه ، والمعنى : شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها " بصفة هي بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها . وإنما حمل الزمخشري والقائل الذي قبله على ذلك مراعاة الترتيب الوجودي ؛ لأن خلق [ ص: 552 ] الزمخشري حواء - وهي المعبر عنها بالزوج - قبل خلقنا ، ولا حاجة إلى ذلك ، لأن الواو لا تقتضي ترتيبا على الصحيح .
الثالث : أنه عطف على "خلقكم " فهو داخل في حيز الصلة ، والواو لا يبالى بها ، إذ لا تقتضي ترتيبا . إلا أن خص هذه الوجه بكون الخطاب في الزمخشري يا أيها الناس لمعاصري الرسول عليه السلام فإنه قال : "والثاني : أن يعطف على " خلقكم "ويكون الخطاب للذين بعث إليهم الرسول ، والمعنى : خلقكم من نفس آدم ، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه ، وخلق منها أمكم حواء " . فظاهر هذا خصوصية الوجه الثاني بكون الخطاب للمعاصرين ، وفيه نظر . وقدر بعضهم مضافا في "منها " أي : "من جنسها زوجها " ، وهذا عند من يرى أن حواء لم تخلق من آدم ، وإنما خلقت من طينة فضلت من طينة آدم ، وهذا قول مرغوب عنه .
وقرئ : "وخالق وباث " بلفظ اسم الفاعل . وخرجه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي : وهو خالق وباث . يقال : بث وأبث بمعنى "فرق " ثلاثيا ورباعيا . الزمخشري
وقوله : كثيرا فيه وجهان ، أظهرهما : أنه نعت لـ "رجالا " قال : "ولم يؤنثه حملا على المعنى ، لأن " رجالا "عدد أو جنس أو جمع ، كما ذكر الفعل المسند إلى جماعة المؤنث كقوله : أبو البقاء وقال نسوة .
والثاني : أنه نعت لمصدر تقديره : وبث منهما بثا كثيرا . وقد تقدم أن [ ص: 553 ] مذهب في مثله النصب على الحال . فإن قيل : لم خص الرجال بوصف الكثرة دون النساء ؟ ففيه جوابان ، أحدهما : أنه حذف صفتهن لدلالة ما قبلها عليها [أي ] : ونساء كثيرة . والثاني أن الرجال لشهرتهم يناسبهم ذلك بخلاف النساء فإن الأليق بهن الخمول والإخفاء . سيبويه
قوله : تساءلون قرأ الكوفيون : "تساءلون " بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين تخفيفا ، والأصل : تتساءلون ، وقد تقدم لنا الخلاف : هل المحذوف الأولى أو الثانية ؟ وقرأ الباقون بالتشديد على إدغام تاء التفاعل في السين لأنها مقاربتها في الهمس ، ولهذا تبدل من السين قالوا : "ست " والأصل : "سدس " .
وقرأ : "تسألون " من سأل الثلاثي . وقرئ "تسلون " بنقل حركة الهمزة على السين . عبد الله
و "تساءلون " على التفاعل فيه وجهان ، أحدهما : المشاركة في السؤال . والثاني : أنه بمعنى فعل ، ويدل عليه قراءة . قال عبد الله : "ودخل حرف الجر في المفعول لأن المعنى : تتحالفون " يعني : أن الأصل كان تعدية "تسألون " إلى الضمير بنفسه ، فلما ضمن معنى "تتحالفون " عدي تعديته . أبو البقاء
[ ص: 554 ] قوله : والأرحام الجمهور على نصب ميم "والأرحام " وفيه وجهان ، أحدهما : أنه عطف على لفظ الجلالة أي : واتقوا الأرحام أي : لا تقطعوها . وقدر بعضهم مضافا أي : قطع الأرحام ، ويقال : "إن هذا في الحقيقة من عطف الخاص على العام ، وذلك أن معنى اتقوا الله : اتقوا مخالفته ، وقطع الأرحام مندرج فيها " . والثاني : أنه معطوف على محل المجرور في "به " نحو : مررت بزيد وعمرا ، لما لم يشركه في الإتباع على اللفظ تبعه على الموضع . ويؤيد هذا قراءة : "وبالأرحام " . وقال عبد الله : "تعظمونه والأرحام ، لأن الحلف به تعظيم له " . أبو البقاء
وقرأ "والأرحام " بالجر ، وفيها قولان ، أحدهما : أنه عطف على الضمير المجرور في "به " من غير إعادة الجار ، وهذا لا يجيزه البصريون ، وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة ، وأن فيها ثلاثة مذاهب ، واحتجاج كل فريق في قوله تعالى : حمزة وكفر به والمسجد .
وقد طعن جماعة على هذه القراءة وغيره ، حتى يحكى عن كالزجاج الذي مذهبه جواز ذلك أنه قال : "حدثني الفراء عن شريك بن عبد الله عن الأعمش إبراهيم قال : " والأرحام " - بخفض الأرحام - هو كقولهم : " أسألك بالله والرحم "قال : " وهذا قبيح "لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض قد كني عنه " .
[ ص: 555 ] والثاني : أنه ليس معطوفا على الضمير المجرور بل الواو للقسم وهو خفض بحرف القسم مقسم به ، وجواب القسم : " إن الله كان عليكم رقيبا " . وضعف هذا بوجهين ، أحدهما : أن قراءتي النصب وإظهار حرف الجر في "بالأرحام " يمنعان من ذلك ، والأصل توافق القراءات . والثاني : أنه نهي أن يحلف بغير الله تعالى والأحاديث مصرحة بذلك .
وقدر بعضهم مضافا فرارا من ذلك فقال : "تقديره : ورب الأرحام : قال : وهذا قد أغنى عنه ما قبله " يعني الحلف بالله تعالى . ولقائل [أن يقول : ] "إن لله تعالى أن يقسم بما شاء كما أقسم بمخلوقاته كالشمس والنجم والليل ، وإن كنا نحن منهيين عن ذلك " ، إلا أن المقصود من حيث المعنى ليس على القسم ، فالأولى حمل هذه القراءة على العطف على الضمير ، ولا التفات إلى طعن من طعن فيها ، أبو البقاء بالرتبة السنية المانعة له من نقل قراءة ضعيفة . وحمزة
وقرأ أيضا : "والأرحام " رفعا وهو على الابتداء ، والخبر محذوف فقدره عبد الله : "أهل أن توصل " ، وقدره ابن عطية : و "الأرحام مما يتقى ، أو : مما يتساءل به " ، وهذا أحسن للدلالة اللفظية والمعنوية ، بخلاف الأول ، فإنه للدلالة المعنوية فقط ، وقدره الزمخشري : "والأرحام محترمة " أي : واجب حرمتها . أبو البقاء
[ ص: 556 ] وقوله : إن الله كان عليكم رقيبا جار مجرى التعليل . والرقيب : فعيل للمبالغة من رقب يرقب رقبا ورقوبا ورقبانا إذا أحد النظر لأمر يريد تحقيقه ، واستعماله في صفات الله تعالى بمعنى الحفيظ ، قال :
1525 - كمقاعد الرقباء للضرباء أيديهم نواهد
والرقيب أيضا : ضرب من الحيات . والرقيب : السهم الثالث من سهام الميسر وقد تقدمت في البقرة . والارتقاب : الانتظار .