[ ص: 688 ] قوله : وأنتم سكارى مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من فاعل "تقربوا " . وقرأ الجمهور : "سكارى " بضم السين وألف بعد الكاف ، وفيه قولان ، أحدهما : - وهو الصحيح - أنه جمع تكسير ، نص عليه ، قال : "وقد يكسرون بعض هذا على فعالى ، وذلك كقول بعضهم "سكارى " "وعجالى " . والثاني : أنه اسم جمع ، وزعم سيبويه ابن الباذش أنه مذهب ، قال : " وهو القياس لأنه لم يأت من أبنية الجمع شيء على هذا الوزن " . وذكر سيبويه الخلاف ، ورجح كونه تكسيرا . السيرافي
وقرأ : " سكرى "بضم السين وسكون الكاف ، وتوجيهها أنها صفة على فعلى كحبلى ، وقعت صفة لجماعة أي : وأنتم جماعة سكرى . وحكى الأعمش جناح بن حبيش : " كسلى وكسلى "بضم الكاف وفتحها . قاله . وقرأ الزمخشري : " سكرى "بفتح السين وسكون الكاف ، وهذه تحتمل وجهين ، أحدهما : ما تقدم في القراءة قبلها وهو أنها صفة مفردة على فعلى كامرأة سكرى وصف بها الجماعة . والثاني : أنها جمع تكسير كجرحى وموتى وهلكى ، وإنما جمع سكران على " فعلى "حملا على هذه ؛ لما فيه من الآفة اللاحقة للفعل ، وقد تقدم لك شيء من هذا في قوله في البقرة عند قوله : النخعي وإن يأتوكم أسارى ، وقرئ " سكارى "بفتح السين ، والألف ، وهذا جمع تكسير نحو : ندمان وندامى وعطشان وعطاشى .
والسكر لغة : السد ، ومنه قيل لما يعرض للمرء من شرب المسكر ؛ لأنه [ ص: 689 ] يسد ما بين المرء وعقله ، وأكثر ما يقال السكر لإزالة العقل بالمسكر ، وقد يقال ذلك لإزالته بغضب ونحوه من عشق وغيره قال :
1586 - سكران سكر هوى وسكر مدامة أنى يفيق فتى به سكران
والسكر - بالفتح وسكون الكاف - حبس الماء ، وبكسر السين نفس الموضع المسدود ، وأما " السكر "بفتحهما فما يسكر به من المشروب ، ومنه سكرا ورزقا حسنا ، وقيل : - السكر بضم السين وسكون الكاف - السد أي : الحاجز بين الشيئين قال :
1587 - فما زلنا على السكر نداوي السكر بالسكر
والحاصل : أن أصل المادة الدلالة على الانسداد ، ومنه " سكرت عين البازي "إذا خالطها نوم ، و " سكر النهر "إذا لم يجر ، وسكرته أنا .
قوله : حتى تعلموا " حتى "جارة بمعنى " إلى " ، فهي متعلقة بفعل النهي ، والفعل بعدها منصوب بإضمار " أن " ، وتقدم تحقيقه . و "ما " يجوز فيها ثلاثة أوجه : أن تكون بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، والعائد على هذين القولين محذوف أي : يقولونه ، أو مصدرية فلا حذف إلا على رأي ومن تبعه . ابن السراج
قوله : ولا جنبا نصب على أنه معطوف على الحال قبله ، وهو قوله وأنتم سكارى ، عطف المفرد على الجملة لما كانت في تأويله ، وأعاد معها [ ص: 690 ] "لا " تنبيها على أن النهي عن قربان الصلاة مع كل واحدة من هذين الحالين على انفرادهما ، فالنهي عنها مع اجتماع الحالين آكد وأولى .
والجنب : مشتق من الجنابة وهي البعد قال :
1588 - فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب
وسمي الرجل جنبا لبعده عن الطهارة ، أو لأنه ضاجع بجنبه ومس به ، والمشهور أنه يستعمل بلفظ واحد للمفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ، ومنه الآية الكريمة . قال : "لجريانه مجرى المصدر الذي هو الإجناب " ومن العرب من يثنيه فيقول : "جنبان " ويجمعه سلامة فيقول : "جنبون " وتكسيرا فيقول : "أجناب " ، ومثله في ذلك : "شلل " وتقدم تحقيق ذلك . الزمخشري
قوله : إلا عابري فيه وجهان ، أحدهما : أنه منصوب على الحال ، فهو استثناء مفرغ ، والعامل فيها فعل النهي ، والتقدير : لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة ، إلا في حال السفر أو عبور المسجد ، على حسب القولين . وقال : الزمخشري إلا عابري سبيل استثناء من عامة أحوال المخاطبين ، وانتصابه على الحال . فإن قلت : كيف جمع بين هذه الحال والحال التي قبلها ؟ قلت : كأنه قيل : لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تعذرون فيها وهي حال السفر ، وعبور السبيل عبارة عنه " . والثاني : أنه منصوب على أنه صفة لقوله : " جنبا "وصفه بـ " إلا "بمعنى " غير "فظهر الإعراب فيما بعدها ، وسيأتي لهذا مزيد بيان عند قوله تعالى : لو كان فيهما [ ص: 691 ] آلهة إلا الله لفسدتا كأنه قيل : لا تقربوها جنبا غير عابري سبيل أي : جنبا مقيمين غير معذورين ، وهذا معنى واضح على تفسير العبور بالسفر . وأما من قدر مواضع الصلاة فالمعنى عنده : لا تقربوا المساجد جنبا إلا مجتازين لكونه لا ممر سواه ، أو غير ذلك بحسب الخلاف .
والعبور : الجواز ، ومنه : " ناقة عبر الهواجر "قال :
1589 - عيرانة سبح اليدين شملة عبر الهواجر كالهزف الخاضب
وقوله : حتى تغتسلوا كقوله : حتى تعلموا فهي متعلقة بفعل النهي . قوله : أو على سفر في محل نصب عطفا على خبر " كان "وهو " مرضى "وكذلك قوله : أو جاء أحد أو لامستم وفيه دليل على مجيء خبر " كان "فعلا ماضيا من غير " قد " ، وادعاء حذفها تكلف لا حاجة إليه ، كذا استدل به الشيخ ، ولا دليل فيه لاحتمال أن يكون " أو جاء "عطفا على " كنتم "تقديره : " وإن جاء أحد " ، وإليه ذهب وهو أظهر من الأول ، والله أعلم . أبو البقاء
و "منكم " في محل رفع لأنه صفة لـ "أحد " ، فيتعلق بمحذوف و "من الغائط " متعلق بـ "جاء " ، فهو مفعوله . وقرأ الجمهور : "الغائط " بزنة فاعل ، وهو المكان المطمئن من الأرض ، ثم عبر به عن نفس الحدث كناية للاستحياء من ذكره ، وفرقت العرب بين الفعلين منه ، فقالت : "غاط في [ ص: 692 ] الأرض " أي : ذهب وأبعد إلى مكان لا يراه فيه إلا من وقف عليه ، وتغوط : إذا أحدث . وقرأ : "من الغيط " وفيه قولان ، أحدهما : - وإليه ذهب ابن مسعود - أنه مخفف من فيعل كهين وميت في : هين وميت . والثاني أنه مصدر على وزن فعل قالوا : غاط يغيط غيطا ، وغاط يغوط غوطا . وقال ابن جني : "هو مصدر " يغوط "فكان القياس " غوطا "فقلب الواو ياء وإن سكنت وانفتح ما قبلها لخفتها " كأنه لم يطلع على أن فيه لغة أخرى من ذوات الياء حتى ادعى ذلك . وقرأ الأخوان هنا وفي المائدة : "لمستم " والباقون : "لامستم " فقيل : "فاعل " بمعنى فعل ، وقيل : لمس : جامع ، ولامس لما دون الجماع . أبو البقاء
قوله : فلم تجدوا الفاء عطفت ما بعدها على الشرط . وقال : "على جاء " ، لأنه جعل "جاء " عطفا على "كنتم " فهو شرط عنده . والفاء في قوله " أبو البقاء فتيمموا " هي جواب الشرط ، والضمير في "تيمموا " لكل من تقدم من مريض ومسافر ومتغوط وملامس أو لامس ، وفيه تغليب للخطاب على الغيبة ، وذلك أنه تقدم غيبة في قوله : أو جاء أحد وخطاب في "كنتم " و "لمستم " فغلب الخطاب في قوله "كنتم " وما بعده عليه . وما أحسن ما أتى هنا بالغيبة لأنه كناية عما يستحيا منه فلم يخاطبهم به ، وهذا من محاسن الكلام ، ونحوه : وإذا مرضت فهو يشفين . و "وجد " هنا بمعنى "لقي " فتعدت لواحد .
[ ص: 693 ] و "صعيدا " مفعول به لقوله : "تيمموا " أي : اقصدوا ، وقيل : هو على إسقاط حرف أي : بصعيد ، وليس بشيء لعدم اقتياسه . و " بوجوهكم " متعلق بـ "امسحوا " وهذه الباء تحتمل أن تكون زائدة ، وبه قال ، ويحتمل أن تكون متعدية ، لأن أبو البقاء حكى : "مسحت رأسه وبرأسه " فيكون من باب : نصحته ونصحت له . وحذف الممسوح به ، وقد ظهر في آية المائدة في قوله "منه " فحمل عليه هذا . سيبويه