وأصل الظن: رجحان أحد الطرفين، وأما هذه الآية ففيها قولان، أحدهما - وعليه الأكثر - أن الظن ها هنا بمعنى اليقين ومثله: إني ظننت أني ملاق حسابيه وقوله:
431 - فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
وقال أبو دؤاد:
432 - رب هم فرجته بعزيم وغيوب كشفتها بظنون
فاستعمل الظن استعمال اليقين مجازا، كما استعمل العلم استعمال الظن كقوله: فإن علمتموهن مؤمنات ولكن العرب لا تستعمل الظن استعمال اليقين إلا فيما لم يخرج إلى الحس والمشاهدة كالآيتين والبيت، ولا تجدهم يقولون في رجل مرئي حاضرا: أظن هذا إنسانا.
والقول الثاني: أن الظن على بابه وفيه حينئذ تأويلان، أحدهما ذكره المهدوي وغيرهما: أن يضمر في الكلام "بذنوبهم" فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين، قال والماوردي : "وهذا تعسف". ابن عطية
والثاني من التأويلين: [ ص: 333 ] أنهم يظنون ملاقاة ثواب ربهم لأنهم ليسوا قاطعين بالثواب دون العقاب، والتقدير: يظنون أنهم ملاقو ثواب ربهم، ولكن يشكل على هذا عطف وأنهم إليه راجعون فإنه لا يكفي فيه الظن، هذا إذا أعدنا الضمير في "إليه" على الرب سبحانه وتعالى، أما إذا أعدناه على الثواب المقدر فيزول الإشكال أو يقال: إنه بالنسبة إلى الأول بمعنى الظن على بابه، وبالنسبة إلى الثاني بمعنى اليقين، ويكون قد جمع في الكلمة الواحدة بين الحقيقة والمجاز، وهي مسألة خلاف و"أن" وما في حيزها سادة [مسد] المفعولين عند الجمهور، ومسد الأول، والثاني محذوف عند الأخفش، وقد تقدم تحقيقه.
و ملاقو ربهم من باب إضافة اسم الفاعل لمعموله إضافة تخفيف؛ لأنه مستقبل، وحذفت النون للإضافة، والأصل: ملاقون ربهم.
والمفاعلة هنا بمعنى الثلاثي نحو: عافاك الله، قاله المهدوي: قال : وهذا ضعيف؛ لأن "لقي" يتضمن معنى "لاقى"، كأنه يعني أن المادة لذاتها تقتضي المشاركة بخلاف غيرها من: عاقبت وطارقت وعافاك. ابن عطية
وقد تقدم أن في الكلام حذفا تقديره: ملاقو ثواب ربهم وعقابه.
قال : "ويصح أن تكون الملاقاة هنا الرؤية التي عليها أهل السنة وورد بها [ ص: 334 ] متواتر الحديث"، فعلى هذا الذي قاله لا يحتاج إلى حذف مضاف. ابن عطية
وأنهم إليه راجعون عطف على "أنهم" وما في حيزها، و"إليه" متعلق بـ"راجعون"، والضمير: إما للرب سبحانه أو الثواب كما تقدم، أو اللقاء المفهوم من "ملاقو".