2110 - ما بين لقمتها الأولى إذا انحدرت وبين أخرى تليها قيد أظفور
وجمع الثلاثي أظفار، وجمع أظفور أظافير وهو القياس، وأظافر من غير مد وليس بقياس، وهذا كقوله:
2111 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العينين والعواور
وقد تقدم تحقيق ذلك في قوله مفاتح الغيب.
قوله: "ومن البقر" فيه وجهان أحدهما: أنه معطوف على "كل ذي" فتتعلق "من" بحرمنا الأولى لا الثانية، وإنما جيء بالجملة الثانية مفسرة لما أبهم في "من" التبعيضية من المحرم فقال: "حرمنا عليهم شحومهما" والثاني: أن يتعلق بحرمنا المتأخرة والتقدير: وحرمنا على الذين هادوا من البقر والغنم [ ص: 202 ] شحومهما، فلا يجب هنا تقديم المجرور بها على الفعل، بل يجوز تأخيره كما تقدم، ولكن لا يجوز تأخيره عن المنصوب بالفعل فيقال: حرمنا عليهم شحومهما من البقر والغنم لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وقال ولا يجوز أن يكون "من البقر" متعلقا بـ "حرمنا" الثانية. قال الشيخ: وكأنه توهم أن عود الضمير مانع من التعلق، إذ رتبة المجرور بـ من التأخير لكن عماذا؟ أما عن الفعل فمسلم، وأما عن المفعول فغير مسلم. يعني أنه إن أراد أن رتبة قوله "من البقر" التأخير عن شحومهما فيصير التقدير: حرمنا عليهم شحومهما من البقر فغير مسلم. ثم قال الشيخ: وإن سلمنا أن رتبته التأخير عن الفعل والمفعول فليس بممنوع بل يجوز ذلك كما جاز: "ضرب غلام المرأة أبوها" و "غلام المرأة ضرب أبوها"، وإن كانت رتبة المفعول التأخير، لكنه وجب هنا تقديمه لعود الضمير الذي في الفاعل الذي رتبته التقديم عليه فكيف بالمفعول الذي هو والمجرور في رتبة واحدة؟ أعني في كونهما فضلة فلا يبالى فيهما بتقديم أيهما شئت على الآخر، قال الشاعر: أبو البقاء:
2112 - . . . . . . . . . . . . . . . . . وقد ركدت وسط السماء نجومها
فقدم الظرف وجوبا لعود الضمير الذي اتصل بالفاعل على المجرور بالظرف. قلت: لقائل أن يقول لا نسلم أن إنما منع ذلك لما ذكره حتى يلزم بما ألزمته بل قد يكون منعه لأمر معنوي. أبا البقاء
والإضافة في قوله "شحومهما" تفيد الدلالة على تأكيد التخصيص والربط، إذ لو أتى في الكلام "من البقر والغنم حرمنا عليهم الشحوم" لكان [ ص: 203 ] كافيا في الدلالة على أنه لا يراد إلا شحوم البقر والغنم، هذا كلام الشيخ وهو بسط ما قاله فإنه قال: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما كقولك: "من زيد أخذت ماله" تريد بالإضافة زيادة الربط. الزمخشري
قوله: إلا ما حملت ظهورهما "ما" موصولة في محل نصب على الاستثناء المتصل من الشحوم أي: إنه لم يحرم الشحم المحمول على الظهر، ثم إن شئت جعلت هذا الموصول نعتا لمحذوف أي: إلا الشحم الذي حملته ظهورهما، كذا قدره الشيخ، وفيه نظر، لأنه هو قد نص على أنه لا يوصف بـ "ما" الموصولة وإن كان يوصف بالذي، وقد رد هو على غيره بذلك في مثل هذا التقدير، وإن شئت جعلته موصوفا بشيء محذوف أي: إلا الذي حملته ظهورهما من الشحم، وهذا الجار هو وصف معنوي لا صناعي فإنه لو أظهر كذا لكان إعرابه حالا.
وقوله "ظهورهما" يحتمل أن يكون من باب فقد صغت قلوبكما بالنسبة إلى ضمير البقر والغنم من غير نظر إلى جمعيتهما في المعنى، ويحتمل أن يكون جمع "الظهور" لأن المضاف إليه جمع في المعنى، فهو مثل "قطعت رءوس الكبشين" فالتثنية في مثل هذا ممتنعة.
قوله: أو الحوايا في موضعها من الإعراب ثلاثة أوجه، أحدها: وهو قول أنها في موضع رفع عطفا على "ظهورهما" أي: وإلا الذي حملته الحوايا من الشحم فإنه أيضا غير محرم، وهذا هو الظاهر. الثاني: أنها في محل نصب نسقا على الكسائي "شحومهما" أي: حرمنا عليهم الحوايا [ ص: 204 ] أيضا أو ما اختلط بعظم فتكون الحوايا والمختلط محرمين، وسيأتي تفسيرهما، وإلى هذا ذهب جماعة قليلة، وتكون "أو" فيه كالتي في قوله تعالى: ولا تطع منهم آثما أو كفورا يراد بها نفي ما يدخل عليه بطريق الانفراد كما تقول: "هؤلاء أهل أن يعصوا فاعص هذا أو هذا". فالمعنى: حرم عليهم هذا وهذا. وقال أو بمنزلتها في قولهم: "جالس الزمخشري: أو الحسن ابن سيرين".
قال الشيخ، وقال النحويون: "أو" في هذا المثال للإباحة فيجوز له أن يجالسهما وأن يجالس أحدهما، والأحسن في الآية إذا قلنا إن "الحوايا" معطوف على "شحومهما" أن تكون "أو" فيه للتفصيل فصل بها ما حرم عليهم من البقر والغنم. قلت: هذه العبارة التي ذكرها سبقه إليها الزمخشري أبو إسحاق فإنه قال، وقال قوم: حرمت عليهم الثروب وأحل لهم ما حملت الظهور، وصارت الحوايا أو ما اختلط بعظم نسقا على ما حرم لا على الاستثناء، والمعنى على هذا القول: حرمت عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم، وأدخلت "أو" على سبيل الإباحة كما قال تعالى: ولا تطع منهم آثما أو كفورا ، والمعنى: كل هؤلاء أهل أن يعصى فاعص هذا أو اعص هذا، و "أو" بليغة في هذا المعنى لأنك إذا قلت: "لا تطع زيدا وعمرا" فجائز أن تكون نهيتني عن طاعتهما معا في حالة، فإذا أطعت زيدا على حدته لم أكن عاصيا، وإذا قلت: لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا فالمعنى: أن كل هؤلاء أهل أن لا يطاع فلا تطع واحدا منهم ولا تطع الجماعة، ومثله: جالس أو الحسن أو ابن سيرين فليس [ ص: 205 ] المعنى: أني آمرك بمجالسة واحد منهم، فإن جالست واحدا منهم فأنت مصيب، وإن جالست الجماعة فأنت مصيب. وأما قوله: فالأحسن أن تكون "أو" فيه للتفصيل. فقد سبقه إلى ذلك الشعبي، فإنه قال: و "أو" هنا بمعنى الواو لتفصيل مذاهبهم أو لاختلاف أماكنها، وقد ذكرناه في قوله أبو البقاء كونوا هودا أو نصارى . وقال ردا على هذا القول أعني كون الحوايا نسقا على شحومهما: " وعلى هذا تدخل الحوايا في التحريم، وهذا قول لا يعضده لا اللفظ ولا المعنى بل يدفعانه"، ولم يبين وجه الدفع فيهما. الثالث: أن "الحوايا" في محل نصب عطفا على المستثنى وهو ما حملت ظهورهما كأنه قيل: إلا ما حملت الظهور أو إلا الحوايا أو إلا ما اختلط، نقله ابن عطية مكي، بدأ به ثم قال: "وقيل: هو معطوف على الشحوم". ونقل وأبو البقاء عن الواحدي أنه قال: يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير حذف المضاف على أن يريد أو شحوم الحوايا فيحذف الشحوم ويكتفي بالحوايا كما قال تعالى: الفراء واسأل القرية يريد أهلها، وحكى عن ابن الأنباري أنه قال: قلت أبي عبيد هو بمنزلة قول الشاعر: للفراء:
2113 - لا يسمع المرء فيها ما يؤنسه بالليل إلا نئيم البوم والضوعا
فقال لي: نعم، يذهب إلى أن "الضوع" عطف على "النئيم" [ ص: 206 ] ولم يعطف على "البوم" ، كما عطفت الحوايا على "ما" ولم تعطف على الظهور. قلت: فمقتضى ما حكاه أن تكون "الحوايا" عطفا على "ما" المستثناة، وفي معنى ذلك قلق بين. ابن الأنباري
هذا ما يتعلق بإعرابها، وأما ما يتعلق بمدلولها، فقيل: هي المباعر، وقيل: المصارين والأمعاء، وقيل: كل ما تحويه البطن فاجتمع واستدار، وقيل: هي الدوارة التي في بطن الشاة. واختلف في مفرد "الحوايا" فقيل: حاوية كضاربة وقيل: حوية كطريفة وقيل: حاوياء كقاصعاء. وقد جوز أن يكون جمعا لكل واحد من الثلاثة يعني أنه صالح لذلك. وقال الفارسي هي الحوية والحاوية ولم يذكر الحاوياء. وذكر ابن الأعرابي: الثلاثة فقال: "يقال: حاوية وحوايا مثل زاوية وزوايا، وراوية وروايا". ومنهم من يقول حوية وحوايا مثل الحوية التي توضع على ظهر البعير ويركب فوقها، ومنهم من يقول لواحدتها "حاوياء" وأنشد قول ابن السكيت جرير:
2114 - تضغو الخنانيص والغول التي أكلت في حاوياء ردوم الليل مجعار
وأنشد أبو بكر ابن الأنباري:
2115 - كأن نقيق الحب في حاويائه فحيح الأفاعي أو نقيق العقارب
فإن كان مفردها حاوية فوزنها فواعل كضاربة وضوارب ونظيرها في [ ص: 207 ] المعتل: زاوية وزوايا وراوية وروايا، والأصل حواوي كضوارب فقلبت الواو التي هي عين الكلمة همزة لأنها تالي حرفي لين اكتنفا مدة مفاعل، فاستثقلت همزة مكسورة فقلبت ياء فاستثقلت الكسرة على الياء فجعلت فتحة، فتحرك حرف العلة وهو الياء التي هي لام الكلمة بعد فتحة فقلبت ألفا فصارت حوايا، وإن شئت قلت: قلبت الواو همزة مفتوحة فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، فصارت همزة مفتوحة بين ألفين يشبهانها فقلبت الهمزة ياء، وقد تقدم تحقيق هذا في قوله: نغفر لكم خطاياكم واختلاف أهل التصريف في ذلك، وكذلك إذا قلنا مفردها "حاوياء" كان وزنها فواعل أيضا كقاصعاء وقواصع وراهطاء ورواهط، والأصل حواوي أيضا ففعل به ما فعل فيما قبله، وإن قلنا إن مفردها حوية فوزنها فعائل كطرائف، والأصل حوائي فقلبت الهمزة ياء مفتوحة، وقلبت الياء التي هي لام ألفا فصار اللفظ "حوايا" أيضا فاللفظ متحد والعمل مختلف.
وقوله "أو ما اختلط بعظم" فيه ما تقدم في حوايا، ورأى فيه أنه منصوب نسقا على "ما" المستثناة في قوله الفراء "إلا ما حملت ظهورهما" والمراد به الألية وقيل: هو كل شحم في الجنب والعين والأذن والقوائم.
قوله: ذلك جزيناهم فيه أوجه أحدها: أنه خبر مبتدأ محذوف أي: الأمر ذلك، قاله الحوفي ومكي الثاني: أنه مبتدأ، والخبر ما بعده، والعائد محذوف، أي: ذلك جزيناهموه، قاله وأبو البقاء. - وفيه [ ص: 208 ] ضعف- من حيث إنه حذف العائد المنصوب وقد تقدم ما في ذلك في المائدة عند قوله: أبو البقاء أفحكم الجاهلية يبغون ، وأيضا فقدر العائد متصلا، وينبغي أن لا يقدر إلا منفصلا ولكنه يشكل حذفه وقد تقدم تحقيقه أول البقرة.
وقال "ذلك في موضع رفع" ولم يبين على أي الوجهين المتقدمين وينبغي أن يحمل على الأول لضعف الثاني. الثالث: أنه منصوب على المصدر، وهو ظاهر كلام ابن عطية: فإنه قال: "ذلك الجزاء جزيناهم وهو تحريم الطيبات". إلا أن هذا قد ينخدش بما نقله الزمخشري ابن مالك وهو أن المصدر إذا أشير إليه وجب أن يتبع بـ "ذلك" المصدر فيقال: "ضربت ذلك الضرب" و "قمت هذا القيام" ولو قلت: "ضربت زيدا ذلك" و "قمت هذا" لم يجز، ذكر ذلك في الرد على من أجاب عن قول المتنبي:
2116 - هذي برزت فهجت رسيسا ثم انصرفت وما شفيت نسيسا
فإنهم لحنوا من حيث إنه حذف حرف النداء من اسم الإشارة إذ الأصل: يا هذي، فأجابوا عنه بأنا لا نسلم أن "هذي" منادى بل إشارة إلى المصدر كأنه قال: برزت هذي البرزة. فرد المتنبي ابن مالك هذا الجواب بأنه لا ينتصب اسم الإشارة مشارا به إلى المصدر إلا وهو متبوع بالمصدر. وإذا سلم هذا فيكون ظاهر قول "إنه منصوب على المصدر" مردودا بما رد به الجواب عن بيت الزمخشري أبي الطيب، إلا أن رد ابن مالك ليس بصحيح لورود اسم الإشارة مشارا به إلى المصدر غير متبوع به، قال الشاعر: [ ص: 209 ]
2117 - يا عمرو إنك قد مللت صحابتي وصحابتيك إخال ذاك قليل
قال النحويون: "ذاك" إشارة إلى مصدر "خال" المؤكد له، وقد أنشده هو على ذلك.
الرابع: أنه منصوب على أنه مفعول ثان قدم على عامله لأن "جزى" يتعدى لاثنين، والتقدير: جزيناهم ذلك التحريم. وقال أبو البقاء إنه في موضع نصب بجزيناهم، ولم يبينا على أي وجه انتصب: هل على المفعول الثاني أو المصدر؟ ومكي:
وقوله لصادقون معموله محذوف أي: لصادقون في إتمام جزائهم في الآخرة إذ هو تعريض بكذبهم حيث قالوا: نحن مقتدون في تحريم هذه الأشياء بإسرائيل والمعنى: لصادقون في إخبارنا عنهم ذلك، ولا يقدر له معمول أي: من شأننا الصدق. والضمير في "كذبوك" الظاهر عوده على اليهود لأنهم أقرب مذكور. وقيل: يعود على المشركين لتقدم الكلام معهم في قوله: نبئوني بعلم و: أم كنتم شهداء .