آ. (2) قوله تعالى: كتاب : يجوز أن يكون خبرا عن الأحرف قبله، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي: هو كتاب، كذا قدره ويجوز أن يكون الزمخشري. "كتاب" مبتدأ، و "أنزل" صفته، و " فلا تكن " خبره، والفاء زائدة على رأي أي: كتاب موصوف بالإنزال إليك، لا يكن في صدرك حرج منه. وهو بعيد جدا. والقائم مقام الفاعل في "أنزل" ضمير عائد على الكتاب. ولا يجوز أن يكون الجار لئلا تخلو الصفة من عائد. الأخفش
قوله: "منه" متعلق بـ "حرج". و "من" سببية أي: حرج بسببه تقول: حرجت منه أي: ضقت بسببه، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة له أي: حرج كائن وصادر منه. والضمير في "منه" يجوز أن يعود على الكتاب [ ص: 242 ] وهو الظاهر، ويجوز أن يعود على الإنزال المدلول عليه بـ "أنزل" ، أو على الإنذار أو على التبليغ المدلول عليهما بسياق الكلام، أو على التكذيب الذي تضمنه المعنى. والنهي في الصورة للحرج، والمراد الصادر منه، مبالغة في النهي عن ذلك، كأنه قيل: لا تتعاط أسبابا ينشأ عنها حرج، وهو من باب "لا أرينك هاهنا": النهي متوجه على المتكلم والمراد به المخاطب، كأنه قال: لا تكن بحضرتي فأراك. ومثله: فلا يصدنك عنها من لا يؤمن .
قوله: "لتنذر به" في متعلق هذه اللام ثلاثة أوجه أحدها: أنها متعلقة بـ "أنزل" أي: أنزل إليك للإنذار، وهذا قول قال: اللام في الفراء، "لتنذر" منظوم بقوله "أنزل" على التقديم والتأخير، على تقدير: كتاب أنزل إليك لتنذر به فلا يكن. وتبعه الزمخشري والحوفي وعلى هذا تكون جملة النهي معترضة بين العلة ومعلولها، وهو الذي عناه وأبو البقاء. بقوله: "على التقديم والتأخير". والثاني: أن اللام متعلقة بما تعلق [به] خبر الكون، إذ التقدير: فلا يكن حرج مستقرا في صدرك لأجل الإنذار. كذا قاله الشيخ عن الفراء فإنه قال: وقال ابن الأنباري، التقدير: "فلا يكن في صدرك حرج منه كي تنذر به" فجعله متعلقا بما تعلق به ابن الأنباري: "في صدرك"، وكذا علقه به صاحب "النظم"، فعلى هذا لا تكون الجملة معترضة. قلت: الذي نقله عن نص الواحدي في ذلك أن اللام متعلقة بالكون، وعن صاحب "النظم" أن اللام بمعنى "أن" وسيأتي بنصيهما إن شاء الله، فيجوز أن يكون لهما كلامان. [ ص: 243 ] الثالث: أنها متعلقة بنفس الكون، وهو مذهب ابن الأنباري ابن الأنباري وصاحب "النظم" على ما نقله الشيخ. والزمخشري،
قال "ويجوز أن تكون اللام صلة للكون على معنى: فلا يكن في صدرك شيء لتنذر، كما يقول الرجل للرجل: لا تكن ظالما ليقضي صاحبك دينه، فتحمل لام كي على الكون". وقال أبو بكر ابن الأنباري: "فإن قلت: بم تعلق به "لتنذر"؟ قلت بـ "أنزل" أي: أنزل لإنذارك به، أو بالنهي، لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذا إذا علم أنه من عند الله شجعه اليقين على الإنذار". قال الشيخ: فقوله بالنهي ظاهره أنه يتعلق بفعل النهي، فيكون متعلقا بقوله: "فلا يكن"، وكان [عندهم] في تعليق المجرور والعمل في الظرف فيه خلاف، ومبناه على أن "كان" الناقصة هل تدل على حدث أم لا؟ فمن قال إنها تدل على الحدث جوز ذلك، ومن قال لا تدل عليه منعه. قلت: الزمخشري: مسبوق إلى هذا الوجه، بل ليس في عبارته ما يدل على أنه تعلق بـ "يكون" بل قال "بالنهي" فقد يريد بما تضمنه من المعنى، وعلى تقدير ذلك فالصحيح أن الأفعال الناقصة كلها لها دلالة على الحدث إلا "ليس"، وقد أقمت على ذلك أدلة وأثبت من أقوال الناس بما يشهد لصحة ذلك كقول فالزمخشري وأضرابه، في غير هذا الموضوع. سيبويه
وقال صاحب "النظم" : "وفيه وجه آخر وهو أن تكون اللام بمعنى أن [ ص: 244 ] والمعنى: لا يضق صدرك ولا يضعف عن أن تنذر به، والعرب تضع هذه اللام في موضع "أن" كقوله تعالى: يريدون أن يطفئوا نور الله وفي موضع آخر: ليطفئوا فهما بمعنى واحد. قلت: هذا قول ساقط جدا، كيف يكون حرف يختص بالأفعال يقع موقع آخر مختص بالأسماء؟
قوله: وذكرى يجوز أن يكون في محل رفع أو نصب أو جر. فالرفع من وجهين، أحدهما: أنها عطف على "كتاب" أي: كتاب وذكرى أي تذكير، فهي اسم مصدر وهذا قول والثاني من وجهي الرفع: أنها خبر مبتدأ مضمر أي: هو ذكرى، وهذا قول الفراء. والنصب من ثلاثة أوجه، أحدها: أنه منصوب على المصدر بفعل من لفظه تقديره: وتذكر ذكرى أي: تذكيرا. والثاني: أنها في محل نصب نسقا على موضع "لتنذر" فإن موضعه نصب، فيكون إذ ذاك معطوفا على المعنى، وهذا كما تعطف الحال الصريحة على الحال المؤولة كقوله تعالى: أبي إسحاق الزجاج. دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ويكون حينئذ مفعولا من أجله كما تقول: "جئتك لتكرمني وإحسانا إلي".
والثالث: قال وبه بدأ "إنها حال من الضمير في "أنزل" وما بينهما معترض". وهذا سهو فإن الواو مانعة من ذلك، وكيف تدخل الواو على حال صريحة؟ أبو البقاء:
والجر من وجهين أيضا، أحدهما: العطف على المصدر المنسبك من "أن" المقدرة بعد لام كي والفعل، والتقدير: للإنذار والتذكير. والثاني: [ ص: 245 ] العطف على الضمير في "به"، وهذا قول الكوفيين. والذي حسنه كون "ذكرى" في تقدير حرف مصدري وهو "أن" وفعل ولو صرح بـ "أن" لحسن معها حذف حرف الجر، فهو أحسن من "مررت بك وزيد" إذ التقدير: لأن تنذر به وبأن تذكر.
و "للمؤمنين" يجوز أن تكون اللام مزيدة في المفعول به تقوية له، لأن العامل فرع، والتقدير: وتذكر المؤمنين. والثاني: أن تتعلق بمحذوف لأنه صفة لذكرى.