والوسوسة: الكلام الخفي المكرر، ومثله الوسواس وهو صوت الحلي، والوسوسة أيضا الخطرة الرديئة، ووسوس لا يتعدى إلى مفعول بل هو لازم ويقال: رجل موسوس بكسر الواو ولا يقال بفتحها، قاله ابن [ ص: 276 ] الأعرابي. وقال غيره: يقال: موسوس له وموسوس إليه. وقال "الوسوسة حديث النفس والصوت الخفي من ريح تهز قصبا ونحوه كالهمس". قال تعالى: الليث: ونعلم ما توسوس به نفسه وقال يصف صيادا: رؤبة بن العجاج
216 - 3- وسوس يدعو مخلصا رب الفلق لما دنا الصيد دنا من الوهق
أي: لما أراد الصيد وسوس في نفسه: أيخطئ أم يصيب؟ وقال "وسوس ووزوز بمعنى واحد". الأزهري:
قوله: ليبدي في هذه اللام قولان أظهرهما: أنها لام العلة على أصلها، لأن قصد الشيطان ذلك. وقال بعضهم: اللام للصيرورة والعاقبة، وذلك أن الشيطان لم يكن يعلم أنهما يعاقبان بهذه العقوبة الخاصة، فالمعنى: أن أمرهما آيل إلى ذلك. والجواب: أنه يجوز أن يعلم ذلك بطريق من الطرق المتقدمة في قوله: ولا تجد أكثرهم شاكرين .
قوله: ما ووري "ما" موصولة بمعنى الذي وهي مفعول لـ "يبدي" أي ليظهر الذي ستر. وقرأ الجمهور "ووري" بواوين صريحتين وهو ماض مبني للمفعول، أصله وارى كضارب فلما بني للمفعول أبدلت الألف واوا كضورب، فالواو الأولى فاء والثانية زائدة. وقرأ أوري بإبدال الأولى همزة وهو بدل جائز لا واجب. وهذه قاعدة كلية وهي: أنه إذا اجتمع في أول [ ص: 277 ] الكلمة واوان، وتحركت الثانية أو كان لها نظير متحرك وجب إبدال الأولى همزة تخفيفا، فمثال النوع الأول "أويصل" و "أواصل" تصغير واصل وتكسيره، فإن الأصل: وويصل، وواصل فاجتمع واوان في المثالين ثانيتهما متحركة فوجب إبدال الأولى همزة. ومثال النوع الثاني أولى فإن أصلها وولى، فالثانية ساكنة لكنها قد تتحرك في الجمع في قولك أول كفضلى وفضل. فإن لم تتحرك ولم تحمل على متحرك جاز الإبدال كهذه الآية الكريمة. ومثله ووطئ وأوطئ. عبد الله:
وقرأ "وري" بواو واحدة مضمومة وراء مكسورة، وكأنه من الثلاثي المتعدي، وتحتاج إلى نقل أن وريت كذا بمعنى واريته. يحيى بن وثاب
والمواراة: الستر، ومنه قوله عليه السلام لما بلغه موت أبي طالب: "لعلي أذهب موار" ومنه قول الآخر:
2164 - على صدى أسود المواري في الترب أمسى وفي الصفيح
وقد تقدم تحقيق هذه المادة.
والجمهور على قراءة "سوءاتهما" بالجمع من غير نقل ولا إدغام.
وقرأ مجاهد "سوتهما" بالإفراد وإبدال الهمزة واوا وإدغام الواو فيها. وقرأ والحسن أيضا الحسن وأبو جعفر وشيبة بن نصاح "سواتهما" بالجمع وتشديد الواو بالعمل المتقدم. وقرأ أيضا سواتهما بالجمع أيضا إلا أنه نقل حركة الهمزة إلى الواو من غير عمل آخر، وكل ذلك ظاهر: فمن قرأ بالجمع [ ص: 278 ] فيحتمل وجهين، أظهرهما: أنه من باب وضع الجمع موضع التثنية كراهية اجتماع تثنيتين والجمع أخو التثنية فلذلك ناب منابها كقوله صغت قلوبكما وقد تقدم تحقيق هذه القاعدة. ويحتمل أن يكون الجمع هنا على حقيقته; لأن لكل واحد منهما قبلا ودبرا، والسوءات كناية عن ذلك فهي أربع; فلذلك جيء بالجمع، ويؤيد الأول قراءة الإفراد فإنه لا تكون كذلك إلا والموضع موضع تثنية نحو: "مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما".
قوله: إلا أن تكونا استثناء مفرغ وهو مفعول من أجله، فيقدره البصريون إلا كراهة أن تكونا، وقدره الكوفيون إلا أن لا تكونا، وقد تقدم غير مرة أن قول البصريين أولى لأن إضمار الاسم أحسن من إضمار الحرف.
والجمهور على "ملكين" بفتح اللام. وقرأ ابن عباس والحسن والضحاك ويحيى بن أبي كثير والزهري وابن حكيم عن "ملكين" بكسرها. قالوا: ويؤيد هذه القراءة قوله في موضع آخر: ابن كثير هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى والملك يناسب الملك بالكسر. وأتى بقوله "من الخالدين" ولم يقل "أو تكونا خالدين" مبالغة في ذلك; لأن الوصف بالخلود أهم من الملكية أو الملك، فإن قولك: "فلان من الصالحين" أبلغ من قولك صالح، وعليه وكانت من القانتين .
[ ص: 279 ]