والريش فيه قولان، أحدهما: أنه اسم لهذا الشيء المعروف. والثاني: أنه مصدر، يقال: راشه يريشه ريشا إذا جعل فيه الريش، فينبغي أن يكون الريش مشتركا بين المصدر والعين وهذا هو التحقيق. وقرأ عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسلمي وعلي بن الحسين وابنه زيد وأبو رجاء وزر بن حبيش، وعاصم في رواية عنهما: "ورياشا"، وفيها تأويلان أحدهما وبه قال وأبو عمرو أنه جمع ريش فيكون كشعب وشعاب. والثاني: أنه مصدر أيضا فيكون ريش ورياش مصدرين لـ راشه الله ريشا ورياشا أي: أنعم عليه. وقال الزمخشري "اللباس، فعلى هذا هما اسمان للشيء الملبوس قالوا: لبس ولباس". قلت: وقد جوز الزجاج: أن يكون مصدرا فأخذ الفراء بأحد القولين، وغيره بالآخر، وأنشدوا: الزمخشري
2178 - وريشي منكم وهواي معكم وإن كانت زيارتكم لماما
قوله: ولباس التقوى قرأ نافع وابن عامر "لباس" بالنصب والباقون "لباس" بالرفع. فالنصب نسقا على "لباسا" أي: أنزلنا لباسا مواريا وزينة، وأنزلنا أيضا لباس التقوى، وهذا يقوي كون "ريشا" صفة ثانية للباسا [ ص: 288 ] الأول إذ لو أراد أنه صفة لباس ثان لأبرز موصوفه كما أبرز هذا اللباس المضاف للتقوى. والكسائي
وأما الرفع فمن خمسة أوجه، أحدها: أن يكون "لباس" مبتدأ، و "ذلك" مبتدأ ثان و "خير" خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول، والرابط هنا اسم الإشارة وهو أحد الروابط الخمسة المتفق عليها، ولنا سادس فيه خلاف تقدم التنبيه عليه. وهذا الوجه هو أوجه الأعاريب في هذه الآية الكريمة. الثاني: أن يكون "لباس" خبر مبتدأ محذوف أي: وهو لباس التقوى، وهذا قول أبي إسحاق وكأن المعنى بهذه الجملة التفسير للباس المتقدم، وعلى هذا فيكون قوله "ذلك" جملة أخرى من مبتدأ وخبر. الزجاج،
وقدره بأحسن من تقدير مكي فقال: "وستر العورة لباس التقوى". الثالث: أن يكون "ذلك" فصلا بين المبتدأ وخبره، وهذا قول الزجاج ولا أعلم أحدا من النحاة أجاز ذلك، إلا أن الحوفي قال: ومن قال إن "ذلك" لغو لم يلق على قوله دلالة; لأنه يجوز أن يكون على أحد ما ذكرنا. قلت: فقوله "لغو" هو قريب من القول بالفصل; لأن الفصل لا محل له من الإعراب على قول جمهور النحويين من البصريين والكوفيين. الرابع: أن يكون "لباس" مبتدأ و "ذلك" بدل منه أو عطف بيان له أو نعت و "خير" خبره، وهو معنى قول الواحدي الزجاج وأبي علي وأبي بكر إلا أن [ ص: 289 ] ابن الأنباري، قال: وأنا أرى أن لا يكون "ذلك" نعتا للباس التقوى; لأن الأسماء المبهمة أعرف مما فيه الألف واللام وما أضيف إلى الألف واللام، وسبيل النعت أن يكون مساويا للمنعوت أو أقل منه تعريفا، فإن كان قد تقدم قول أحد به فهو سهو. الحوفي
قلت: أما القول به فقد قيل كما ذكرته عن الزجاج والفارسي ونص عليه وابن الأنباري، في "الحجة" أيضا وذكره أبو علي وقال الواحدي. "هو أنبل الأقوال"، وذكر ابن عطية: الاحتمالات الثلاثة: أعني كونه بدلا أو بيانا أو نعتا، ولكن ما بحثه مكي صحيح من حيث الصناعة، ومن حيث إن الصحيح في ترتيب المعارف ما ذكر من كون الإشارات أعرف من ذي الأداة، ولكن قد يقال: القائل بكونه نعتا لا يجعله أعرف من ذي الألف واللام. الخامس: جوز الحوفي أن يكون "لباس" مبتدأ، وخبره محذوف أي: "ولباس التقوى ساتر عوراتكم"، وهذا تقدير لا حاجة إليه. أبو البقاء
وإسناد الإنزال إلى اللباس: إما لأن أنزل بمعنى خلق كقوله: وأنزلنا الحديد ، وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج وإما على ما يسميه أهل العلم التدريج وذلك أنه ينزل أسبابه، وهي الماء الذي هو سبب في نبات القطن والكتان والمرعى الذي تأكله البهائم ذوات الصوف والشعر والوبر التي يتخذ منها الملابس، ونحو قول الشاعر يصف مطرا: [ ص: 290 ]
2179 - أقبل في المستن من سحابه أسنمة الآبال في ربابه
فجعله جائيا لأسنمة. . . الإبل مجازا لما كان سببا في تربيتها، وقريب منه قول الآخر:
2180 - إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
وقال جعل ما في الأرض منزلا من السماء لأنه قضى ثم وكتب، ومنه: الزمخشري: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية .
وقال "وأيضا فخلق الله وأفعاله إنما هي من علو في القدر والمنزلة". ابن عطية:
وفي قراءة عبد الله "ولباس التقوى خير" بإسقاط "ذلك"، وهي مقوية للقول بالفصل والبدل وعطف البيان. وقرأ وأبي: النحوي: "ولبوس" بالواو ورفع السين. فأما الرفع فعلى ما تقدم في "لباس"، وأما "لبوس" فلم يبينوها: هل هي بفتح اللام فيكون مثل قوله تعالى: وعلمناه صنعة لبوس لكم أو بضم اللام على أنه جمع وهو مشكل، وأكثر ما يتخيل له أن يكون جمع لبس بكسر اللام بمعنى ملبوس.
وقوله: ذلك من آيات الله مبتدأ وخبر، والإشارة به إلى جميع ما تقدم من إنزال اللباس والريش ولباس التقوى. وقيل: بل هو إشارة لأقرب مذكور وهو لباس التقوى فقط.
[ ص: 291 ]