قوله تعالى: وما كان صلاتهم عند البيت سبب نزولها أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويصفقون ويصفرون ويضعون خدودهم بالأرض ، فنزلت هذه الآية ، قاله فأما المكاء ، ففيه قولان . [ ص: 353 ] أحدهما: أنه الصفير ، قاله ابن عمر . ابن عمر ، وابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة ، وأبو عبيدة ، والزجاج ، قال وابن قتيبة . يقال: مكا الطائر [يمكو] مكاء: إذا صفر ، ويقال: مكيت يده [تمكى] مكى ، مقصور ، أي: غلظت وخشنت ، ويقال: تمكى: إذا توضأ . وأنشدوا: ابن فارس:
أنك والجور على سبيل كالمتمكي بدم القتيل
وسئل عن المكاء ، فجمع كفيه ، وجعل يصفر فيهما . أبو سلمة بن عبد الرحمن
والثاني: أنه إدخال أصابعهم في أفواههم يخلطون به وبالتصدية على محمد صلى الله عليه وسلم صلاته ، قاله قال مجاهد . أهل اللغة ينكرون أن يكون المكاء إدخال الأصابع في الأفواه ، وقالوا: لا يكون إلا الصفير . وفي التصدية قولان . ابن الأنباري:
أحدهما: أنها التصفيق ، قاله [ابن] عمر ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والجمهور . قال وقتادة ، يقال: صدى: إذا صفق بيديه . قال الراجز: ابن قتيبة:
ضنت بخد وجلت عن خد وأنا من غرو الهوى أصدي
الغرو: العجب ، يقال: لا غرو من كذا ، أي: لا عجب .
والثاني: أن التصدية: صدهم الناس عن البيت الحرام ، قاله وقال سعيد بن جبير . ابن زيد: هو صدهم عن سبيل الله ودينه . وزعم مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام ، قام رجلان من المشركين من بني عبد الدار عن [ ص: 354 ] يمينه فيصفران ، ورجلان عن يساره فيصفقان ، فتختلط على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته وقراءته ، فقتلهم الله ببدر ، فذلك قوله: فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون بتوحيد الله .
فإن قيل: كيف سمى المكاء والتصدية صلاة؟
فعنه: جوابان ذكرهما ابن الأنباري .
أحدهما: أنهم جعلوا ذلك مكان الصلاة ، ومشهور في كلام العرب أن يقول الرجل: زرت عبد الله ، فجعل جفائي صلتي ، أي: أقام الجفاء مقام الصلة ، قال الشاعر:
قلت له أطعمني عميم تمرا فكان تمري كهرة وزبرا
أي: أقام الصياح علي مقام التمر .
والثاني: أن من كان المكاء والتصدية صلاته ، فلا صلاة له ، كما تقول العرب: ما لفلان عيب إلا السخاء ، يريدون: من السخاء عيبه ، فلا عيب له ، قال الشاعر:
فتى كملت خيراته غير أنه جواد فلا يبقي من المال باقيا