قوله تعالى: إلا تنصروه أي: بالنفير معه فقد نصره الله إعانة على أعدائه; إذ أخرجه الذين كفروا حين قصدوا إهلاكه على ما شرحنا في قوله: وإذ يمكر بك الذين كفروا [الأنفال:30] فأعلمهم أن نصره ليس بهم .
قوله تعالى: ثاني اثنين العرب تقول: هو ثاني اثنين ، أي: أحد الاثنين ، وثالث ثلاثة ، أي: أحد الثلاثة ، قال : وقوله: الزجاج ثاني اثنين منصوب على الحال; المعنى: قد نصره الله أحد اثنين ، أي: نصره منفردا إلا من أبي بكر .
وهذا معنى قول عاتب الله أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير الشعبي: أبي بكر .
وقال المعنى: أخرجوه وهو أحد الاثنين ، وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن جرير: فأما الغار ، فهو ثقب في الجبل ، وقال وأبو بكر . الغار: الكهف ، والغار: نبت طيب الريح ، والغار: الجماعة من الناس ، والغاران: البطن والفرج ، وهما الأجوفان ، يقال: إنما هو عبد غاريه . قال الشاعر: ابن فارس:
ألم تر أن الدهر يوم وليلة وأن الفتى يسعى لغاريه دائبا
قال وهذا الغار في جبل قتادة: بمكة يقال له: ثور . قال مكثا فيه ثلاثا . وقد ذكرت حديث الهجرة في كتاب "الحدائق" . مجاهد:
قال [ ص: 440 ] أمر الله عز وجل شجرة فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترته ، وأمر العنكبوت فنسجت في وجهه ، وأمر حمامتين وحشيتين فوقعتا في فم الغار ، فلما دنوا من الغار ، عجل بعضهم لينظر ، فرأى حمامتين ، فرجع فقال: رأيت حمامتين على فم الغار ، فعلمت أنه ليس فيه أحد . وقال أنس بن مالك: جاء القائف فنظر إلى الأقدام فقال: هذه قدم مقاتل: ابن أبي قحافة ، والأخرى لا أعرفها ، إلا أنها تشبه القدم التي في المقام . وصاحبه في هذه الآية أبو بكر ، وكان أبو بكر قد بكى لما مر المشركون على باب الغار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ما ظنك باثنين الله ثالثهما"؟
. وفي السكينة ثلاثة أقوال
أحدها: أنها الرحمة ، قاله والثاني: الوقار ، قاله ابن عباس . والثالث: السكون والطمأنينة ، قاله قتادة . وهو أصح . ابن قتيبة ،
وفي هاء "عليه" ثلاثة أقوال .
أحدها: أنها ترجع إلى أبي بكر ، وهو قول علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وحبيب بن أبي ثابت . واحتج من نصر هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مطمئنا .
والثاني: أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله . [ ص: 441 ] والثالث: أن الهاء هاهنا في معنى تثنية ، والتقدير: فأنزل الله سكينته عليهما ، فاكتفى بإعادة الذكر على أحدهما من إعادته عليهما ، كقوله: مقاتل والله ورسوله أحق أن يرضوه [التوبة:62] ، ذكره ابن الأنباري .
قوله تعالى: وأيده أي: قواه ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف . بجنود لم تروها وهم الملائكة . ومتى كان ذلك؟ فيه قولان .
أحدهما: يوم بدر ، ويوم الأحزاب ، ويوم حنين ، قاله ابن عباس .
والثاني: لما كان في الغار ، صرفت الملائكة وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته ، قاله . الزجاج
فإن قيل: إذا وقع الاتفاق أن هاء الكناية في "أيده" ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف تفارقها هاء "عليه" وهما متفقتان في نظم الكلام؟
فالجواب: أن كل حرف يرد إلى الأليق به ، والسكينة إنما يحتاج إليها المنزعج ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم منزعجا . فأما التأييد بالملائكة ، فلم يكن إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ونظير هذا قوله: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه [الفتح:8] يعني النبي صلى الله عليه وسلم (وتسبحوه) يعني الله عز وجل .
قوله تعالى: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى فيها قولان .
أحدهما: أن كلمة الكافرين الشرك ، جعلها الله السفلى لأنها مقهورة ، وكلمة الله وهي التوحيد ، هي العليا ، لأنها ظهرت ، هذا قول الأكثرين .
والثاني: أن كلمة الكافرين ما قدروا بينهم في الكيد به ليقتلوه ، وكلمة الله أنه ناصره ، رواه عن عطاء وقرأ ابن عباس . ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، ويعقوب: "وكلمة الله" بالنصب .
[ ص: 442 ] قوله تعالى: والله عزيز أي: في انتقامه من الكافرين (حكيم) في تدبيره .