قوله تعالى: ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله أي: قنعوا بما أعطوا . إنا إلى الله راغبون في الزيادة ، أي: لكان خيرا لهم . وهذا جواب "لو" وهو محذوف في اللفظ .
ثم بين المستحق للصدقات بقوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين اختلفوا في صفة الفقير والمسكين على ستة أقوال .
أحدها: أن الفقير: المتعفف عن السؤال ، والمسكين: الذي يسأل وبه رمق ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وجابر بن زيد ، والزهري ، والحكم ، وابن زيد ، ومقاتل .
والثاني: أن الفقير: المحتاج الذي به زمانة ، والمسكين: المحتاج الذي لا زمانة به ، قاله قتادة .
[ ص: 456 ] والثالث: الفقير: المهاجر ، والمسكين: الذي لم يهاجر ، قاله الضحاك بن مزاحم ، والنخعي .
والرابع: الفقير: فقير المسلمين ، والمسكين: من أهل الكتاب ، قاله عكرمة .
والخامس: أن الفقير: من له البلغة من الشيء ، والمسكين: الذي ليس له شيء ، قاله أبو حنيفة ، ويونس بن حبيب ، ويعقوب بن السكيت ، واحتجوا بقول وابن قتيبة . الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد
فسماه فقيرا ، وله حلوبة تكفيه وعياله . وقال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله ، بل مسكين; يريد: أنه أسوأ حالا من الفقير .
والسادس: أن الفقير أمس حاجة من المسكين ، وهذا مذهب لأن الفقير مأخوذ من انكسار الفقار ، والمسكنة مأخوذة من السكون والخشوع ، وذلك أبلغ . قال أحمد ، ويروى عن ابن الأنباري: أنه قال: المسكين أحسن حالا من الفقير . وقال الأصمعي أحمد بن عبيد: المسكين أحسن حالا من الفقير ، لأن الفقير أصله في اللغة: المفقور الذي نزعت فقره من فقر ظهره ، فكأنه انقطع ظهره من شدة الفقر; فصره عن مفقور إلى فقير ، كما قيل: مجروح وجريح ، ومطبوخ وطبيخ ، قال الشاعر:
[ ص: 457 ] لما رأى لبد
النسور تطايرت رفع القوادم كالفقير الأعزل
قال: ومن الحجة لهذا القول قوله: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر [الكهف:79] ، فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالا; قال: وهو الصحيح عندنا .
قوله تعالى: والعاملين عليها وهم السعاة لجباية الصدقة ، يعطون منها بقدر أجور أمثالهم ، وليس ما يأخذونه بزكاة .
قوله تعالى: والمؤلفة قلوبهم وهم قوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم على الإسلام بما يعطيهم ، وكانوا ذوي شرف ، وهم صنفان: مسلمون وكافرون . فأما المسلمون ، فصنفان; صنف كانت نياتهم في الإسلام ضعيفة ، فتألفهم تقوية لنياتهم ، كعيينة بن حصن ، والأقرع; وصنف كانت نياتهم حسنة ، فأعطوا تألفا لعشائرهم من المشركين ، مثل وأما المشركون ، فصنفان; صنف يقصدون المسلمين بالأذى ، فتألفهم دفعا لأذاهم ، مثل عدي بن حاتم . عامر بن الطفيل; وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام ، تألفهم بالعطية ليؤمنوا ، كصفوان بن أمية . وقد ذكرت عدد المؤلفة في كتاب "التلقيح" . وحكمهم باق عند في رواية ، وقال أحمد أبو حنيفة ، حكمهم منسوخ . قال والشافعي: لا أعلم شيئا نسخ الزهري: . حكم المؤلفة قلوبهم
قوله تعالى: وفي الرقاب قد ذكرناه في سورة (البقرة:177) . [ ص: 458 ] قوله تعالى: والغارمين وهم الذين لزمهم الدين ولا يجدون القضاء . قال هم ناس عليهم دين من غير فساد ولا إسراف ولا تبذير ، وإنما قال هذا ، لأنه لا يؤمن في حق المفسد إذا قضى دينه أن يعود إلى الاستدانة لذلك; ولا خلاف في جواز قضاء دينه ودفع الزكاة إليه ، ولكن قتادة: قاله على وجه الكراهية . قتادة
قوله تعالى: وفي سبيل الله يعني: الغزاة والمرابطين . ويجوز عندنا أن نعطي الأغنياء منهم والفقراء ، وهو قول وقال الشافعي . أبو حنيفة: لا يعطى إلا الفقير منهم . وهل يجوز أن يصرف من الزكاة إلى الحج ، أم لا؟ فيه عن روايتان . أحمد
قوله تعالى: وابن السبيل هو المسافر المنقطع به ، وإن كان له مال في بلده; قاله مجاهد ، وقتادة ، وأبو حنيفة ، فأما إذا أراد أن ينشئ سفرا ، فهل يجوز أن يعطى؟ قال وأحمد . يجوز ، وعن الشافعي: مثله; وقد ذكرنا في سورة (البقرة:177) فيه أقوالا عن المفسرين . أحمد
قوله تعالى: فريضة من الله يعني أن الله افترض هذا .
فصل
وحد الغني الذي يمنع أخذ الزكاة عند أصحابنا بأحد شيئين: أن يكون مالكا لخمسين درهما ، أو عدلها من الذهب ، سواء كان ذلك يقوم بكفايته ، أو لا يقوم . والثاني: أن يكون له كفاية إما من صناعة ، أو أجرة عقار ، أو عروض [ ص: 459 ] للتجارة يقوم ربحها بكفايته . وقال أبو حنيفة: الاعتبار في ذلك أن يكون مالكا لنصاب تجب عليه فيه الزكاة . فأما ذوو القربى الذين تحرم عليه الصدقة ، فهم بنو هاشم ، وبنو المطلب . وقال أبو حنيفة: تحرم على ولد هاشم ، ولا تحرم على ولد المطلب . ويجوز أن يعمل على الصدقة من بني هاشم وبني المطلب ويأخذ عمالته منها ، خلافا لأبي حنيفة . فأما موالي بني هاشم وبني المطلب فتحرم عليهم الصدقة ، خلافا ولا يجوز أن يعطي صدقته من تلزمه نفقته; وبه قال لمالك . مالك ، وقال والثوري . أبو حنيفة لا يعطي والدا وإن علا ، ولا ولدا وإن سفل ، ولا زوجه ، ويعطي من عداهم . فأما الذمي; فالأكثرون على أنه لا يجوز إعطاؤه . وقال والشافعي: عبيد الله بن الحسن: إذا لم يجد مسلما ، أعطي الذمي . ولا يجب استيعاب الأصناف ، ولا اعتبار عدد من كل صنف; وهو قول أبي حنيفة ، وقال ومالك; يجب الاستيعاب من كل صنف ثلاثة . الشافعي:
فأما إذا ، فلا يجوز له ذلك ، فإن نقلها لم يجزئه; وهو قول أراد نقل الصدقة من بلد المال إلى موضع تقصر فيه الصلاة مالك ، وقال والشافعي . أبو حنيفة: يكره نقلها ، وتجزئه . قال أحمد: ولا يعطي الفقير أكثر من خمسين درهما . وقال أبو حنيفة: أكره أن يعطي رجل واحد من الزكاة مائتي درهم ، وإن أعطيته أجزأك . فأما فاعتبر ما يدفع الحاجة من غير حد . فإن أعطي من يظنه فقيرا ، فبان أنه غني ، فهل يجزئ؟ فيه عن الشافعي ، روايتان . أحمد