لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم
قوله تعالى: لقد تاب الله على النبي قال المفسرون: تاب عليه من إذنه للمنافقين في التخلف . وقال أهل المعاني: هو مفتاح كلام، وذلك أنه لما كان سبب توبة التائبين، ذكر معهم كقوله: فأن لله خمسه وللرسول [الأنفال:41] .
قوله تعالى: الذين اتبعوه في ساعة العسرة قال : هم الذين اتبعوه في غزوة الزجاج تبوك، والمراد بساعة العسرة: وقت العسرة، لأن الساعة تقع على كل الزمان، وكان في ذلك الوقت حر شديد، والقوم في ضيقة شديدة، كان الجمل بين جماعة يعتقبون عليه، وكانوا في فقر، فربما اقتسم التمرة اثنان، وربما مص التمرة الجماعة ليشربوا عليها الماء، وربما نحروا الإبل فشربوا من ماء كروشها من الحر . حدثنا عن ساعة العسرة، فقال خرجنا إلى لعمر بن الخطاب: تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستتقطع، حتى إن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده . فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرا، فادع لنا . قال: "تحب [ ص: 512 ] ذلك"؟ قال: نعم فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى قالت السماء، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها جاوزت العسكر . وقيل
قوله تعالى: من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم قرأ حمزة، وحفص عن "كاد يزيغ" بالياء . وقرأ الباقون بالتاء . وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال . عاصم:
أحدها: تميل إلى التخلف عنه، وهم ناس من المسلمين هموا بذلك، ثم لحقوه، قاله عن أبو صالح ابن عباس .
والثاني: أن القلوب مالت إلى الرجوع للشدة التي لقوها، ولم تزغ عن الإيمان، قاله . الزجاج
والثالث: أن القلوب كادت تزيغ تلفا بالجهد والشدة، ذكره . الماوردي
قوله تعالى: ثم تاب عليهم كرر ذكر التوبة، لأنه ليس في ابتداء الآية ذكر ذنبهم، فقدم ذكر التوبة فضلا منه، ثم ذكر ذنبه ثم أعاد ذكر التوبة .