وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون
قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة في سبب نزولها أربعة أقوال .
أحدها: أنه لما أنزل الله عز وجل عيوب المنافقين في غزوة تبوك، قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سرية أبدا . فلما أرسل السرايا بعد تبوك، نفر المسلمون جميعا، وتركوا رسول الله وحده، فنزلت هذه الآية، قاله عن أبو صالح ابن عباس .
والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على مضر، أجدبت بلادهم; فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها إلى المدينة من الجهد، ويظهرون الإسلام وهم كاذبون; فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .
والثالث: أن ناسا أسلموا، وخرجوا إلى البوادي يعلمون قومهم، فنزلت: [ ص: 517 ] إلا تنفروا يعذبكم [التوبة:39]، فقال ناس من المنافقين: هلك من لم ينفر من أهل البوادي، فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة .
والرابع: أن ناسا خرجوا إلى البوادي يعلمون الناس ويهدونهم، ويصيبون من الحطب ما ينتفعون به; فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا; فأقبلوا من البادية كلهم، فنزلت هذه الآية، قاله قال مجاهد . : ولفظ الآية لفظ الخبر، ومعناها الأمر، كقوله: الزجاج ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [التوبة:113]، والمعنى: ينبغي أن ينفر بعضهم، ويبقى البعض . قال ينفر وينفر، بكسر الفاء وضمها لغتان . واختلف المفسرون في المراد بهذا النفير على قولين . الفراء:
أحدهما: أنه النفير إلى العدو، فالمعنى: ما كان لهم أن ينفروا بأجمعهم، بل تنفر طائفة، وتبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم طائفة . (ليتفقهوا في الدين) يعني الفرقة القاعدين . فإذا رجعت السرايا، وقد نزل بعدهم قرآن أو تجدد أمر، أعلموهم به وأنذروهم به إذا رجعوا إليهم، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس .
والثاني: أنه النفير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تنفر منهم طائفة ليتفقه هؤلاء الذين ينفرون، ولينذروا قومهم المتخلفين، هذا قول وهو أشبه بظاهر الآية . فعلى القول الأول، يكون نفير هذه الطائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خرج إلى غزاة أو مع سراياه . وعلى القول الثاني، يكون نفير الطائفة إلى رسول الله لاقتباس العلم . الحسن،