ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون
قوله تعالى : " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني " قرأ ، ابن كثير ، وأبو عمرو " أني " بفتح الألف ، والتقدير : أرسلناه بأني ، وكأن الوجه بأنه لهم نذير ، ولكنه على الرجوع من الإخبار عن الغائب إلى خطاب نوح قومه . وقرأ والكسائي ، نافع ، وعاصم ، وابن عامر " إني " بكسر الألف ، فحملوه على القول المضمر ، والتقدير فقال لهم : إني لكم نذير . وحمزة
قوله تعالى : " ما نراك إلا بشرا مثلنا " أي : إنسانا مثلنا ، لا فضل لك علينا . فأما الأراذل ، فقال : هم السفلة . وقال ابن عباس : هم جمع " أرذل " ، يقال : رجل رذل ، وقد رذل رذالة ورذولة . ومعنى الأراذل : الشرار . ابن قتيبة
قوله تعالى : " بادي الرأي " قرأ الأكثرون " بادي " بغير همز . وقرأ [ ص: 96 ] بالهمز بعد الدال . وكلهم همز " الرأي " غير أبو عمرو . وللعلماء في معنى " بادي " إذا لم يهمز ثلاثة أقوال : أبي عمرو
أحدها : أن المعنى : ما نرى أتباعك إلا سفلتنا وأرذالنا في بادي الرأي لكل ناظر ، يعنون أن ما وصفناهم به من النقص لا يخفى على أحد فيخالفنا ، هذا مذهب في آخرين . مقاتل
والثاني : أن المعنى أن هؤلاء القوم اتبعوك في ظاهر ما يرى منهم ، وطويتهم على خلافك .
والثالث : أن المعنى : اتبعوك في ظاهر رأيهم ، ولم يتدبروا ما قلت ، ولو رجعوا إلى التفكر لم يتبعوك ، ذكر هذين القولين . قال الزجاج : وهذه الثلاثة الأقوال على قراءة من لم يهمز ، لأنه من بدا ، يبدو : إذا ظهر . فأما من همز " بادئ " فمعناه : ابتداء الرأي ، أي : اتبعوك أول ما ابتدؤوا ينظرون ، ولو فكروا لم يعدلوا عن موافقتنا في تكذيبك . ابن الأنباري
قوله تعالى : " وما نرى لكم علينا من فضل " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : من فضل في الخلق ، قاله . والثاني : في الملك والمال ونحو ذلك ، قاله ابن عباس . والثالث : ما فضلتم باتباعكم نوحا ، ومخالفتكم لنا بفضيلة نتبعكم طلبا لها ، ذكره مقاتل . أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى : " بل نظنكم كاذبين " فيه قولان :
أحدهما : نتيقنكم ، قاله . والثاني : نحسبكم ، قاله الكلبي . مقاتل
قوله تعالى : " أرأيتم إن كنت على بينة من ربي " أي : على يقين وبصيرة . قال : وقوله : " إن كنت " شرط لا يوجب شكا يلحقه ، لكن [ ص: 97 ] الشك يلحق المخاطبين من أهل الزيغ ، فتقديره : إن كنت على بينة من ربي عندكم . " ابن الأنباري وآتاني رحمة من عنده " فيها قولان :
أحدهما : أنها النبوة ، قاله . والثاني : الهداية ، قاله ابن عباس . مقاتل
قوله تعالى : " فعميت عليكم " قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر عن وأبو بكر : " فعميت " بتخفيف الميم وفتح العين . قال عاصم : والمعنى عميتم عنها ، يقال عمي علي هذا الأمر : إذا لم أفهمه ، وعميت عنه بمعنى . قال ابن قتيبة : وهذا مما حولت العرب الفعل إليه ، وهو في الأصل لغيره ، كقولهم : دخل الخاتم في يدي ، والخف في رجلي ، وإنما الإصبع تدخل في الخاتم ، والرجل في الخف ، واستجازوا ذلك إذ كان المعنى معروفا . وقرأ الفراء ، حمزة ، والكسائي وحفص عن : " فعميت " بضم العين وتشديد الميم . قال عاصم : ومعنى ذلك : فعماها الله عليكم إذ كنتم ممن حكم عليه بالشقاء . وكذلك قرأ ابن الأنباري ، أبي بن كعب : " فعماها عليكم " . والأعمش
وفي المشار إليها قولان : أحدهما : البينة والثاني : الرحمة .
قوله تعالى : " أنلزمكموها " أي : أنلزمكم قبولها ؟ وهذا استفهام معناه الإنكار ، يقول : لا نقدر أن نلزمكم من ذات أنفسنا . قال : والله لو استطاع نبي الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه ، ولكن لم يملك ذلك . وقيل : كان مراد قتادة نوح عليه السلام رد قولهم : " وما نرى لكم علينا من فضل " فبين فضله وفضل من آمن به بأنه على بينة من ربه ، وقد آتاه رحمة من عنده وسلب المكذبون ذلك .
قوله تعالى : " لا أسألكم عليه " أي : على نصحي ودعائي إياكم " مالا " فتتهموني . وقال : لما كانت الرحمة بمعنى الهدى والإيمان ، جاز تذكيرها . ابن الأنباري
[ ص: 98 ] قوله تعالى : " وما أنا بطارد الذين آمنوا " قال : سألوه طردهم أنفة منهم ، فقال : لا يجوز لي طردهم ، إذ كانوا يلقون الله فيجزيهم بإيمانهم ، ويأخذ لهم ممن ظلمهم وصغر شؤونهم . ابن جريج
وفي قوله : " ولكني أراكم قوما تجهلون " قولان :
أحدهما : تجهلون أن هذا الأمر من الله تعالى ، قاله . ابن عباس
والثاني : تجهلون لأمركم إياي بطرد المؤمنين ، قاله . أبو سليمان