[ ص: 118 ] قوله تعالى : " إن نقول " أي : ما نقول في سبب مخالفتك إيانا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لسبك إياها ، فالذي تظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير . قال : يقال عراني كذا ، واعتراني : إذا ألم بي . ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك ، عار ، ومنه قول ابن قتيبة : النابغة
أتيتك عاريا خلقا ثيابي على خوف تظن بي الظنون
قوله تعالى : " إني أشهد الله " إلى آخر الآية . حرك ياء " إني " . ومعنى الآية : إن كنتم تقولون : إن الآلهة عاقبتني لطعني عليها ، فإني على يقين من عيبها والبراءة منها ، وها أنا ذا أزيد في الطعن عليها ، " نافع فكيدوني جميعا " أي : احتالوا أنتم وأوثانكم في ضري ، ثم لا تمهلون . قال : وهذا من أعظم آيات الرسل ، أن يكون الرسول وحده ، وأمته متعاونة عليه ، فيقول لهم : كيدوني ، فلا يستطيع أحد منهم ضره ، وكذلك قال الزجاج نوح لقومه : فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس :71] . وقال محمد صلى الله عليه وسلم : فإن كان لكم كيد فكيدون [المرسلات :39] .
قوله تعالى : " إلا هو آخذ بناصيتها " قال : المعنى : أنها في قبضته وملكه وسلطانه . أبو عبيدة
فإن قيل : لم خص الناصية ؟
فالجواب : أن الناصية شعر مقدم الرأس ، فإذا أخذت بها من شخص ، فقد ملكت سائر بدنه ، وذل لك .
قوله تعالى : " إن ربي على صراط مستقيم " قال : على الحق ، وقال غيره : في الكلام إضمار ، تقديره : إن ربي يدل على صراط مستقيم . مجاهد
[ ص: 119 ] فإن قيل : ما وجه المناسبة بين قوله : " إلا هو آخذ بناصيتها " وبين كونه على صراط مستقيم ؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنه لما أخبر أنه آخذ بنواصي الخلق ، كان معناه : أنهم لا يخرجون عن قبضته ، فأخبر أنه على طريق لا يعدل عنه هارب ، ولا يخفى عليه مستتر .
والثاني : أن المعنى : أنه وإن كان قادرا عليهم ، فهو لا يظلمهم ، ولا يريد إلا العدل ، ذكرهما . ابن الأنباري