قوله تعالى: قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون .
قوله تعالى: قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول قال لم يذلها العمل فتثير الأرض . قال قتادة: يقال: في الدواب: دابة ذلول: بينة الذل بكسر الذال ، وفي الناس: رجل ذليل بين الذل بضم الذال . ابن قتيبة:
تثير الأرض تقلبها للزراعة ، ويقال للبقرة: المثيرة . قال تقفن على ذلول ، لأن المعنى: ليست بذلول فتثير الأرض ، وحكى الفراء: ابن القاسم أن أجاز الوقف على ذلول ، ثم أنكره عليه جدا ، وعلل بأن التي تثير الأرض يعدم منها سقي الحرث; ومتى أثارت الأرض كانت ذلولا . ومعنى: ولا تسقي الحرث: لا يستقي عليها الماء لسقي الزرع . أبا حاتم السجستاني
[ ص: 99 ] قوله تعالى: مسلمة فيه أربعة أقوال .
أحدهما: مسلمة من العيوب ، قاله ابن عباس ، وأبو العالية ، وقتادة ، والثاني: مسلمة من العمل ، قاله ومقاتل . الحسن والثالث: مسلمة من الشية ، قاله وابن قتيبة . مجاهد ، والرابع: مسلمة القوائم والخلق ، قاله وابن زيد . عطاء الخراساني .
فأما الشية ، فقال الوشي في اللغة: خلط لون بلون . ويقال: وشيت الثوب أشيه شية ووشيا ، كقولك: وديت فلانا أديه دية . ونصب: شية فيها ، على النفي . ومعنى الكلام: ليس فيها لون يفارق سائر لونها . وقال الزجاج: لونها لون واحد . عطاء الخرساني:
قوله تعالى: الآن جئت بالحق قال الآن هو الوقت الذي أنت فيه ، وهو حد الزمانين ، حد الماضي من آخره ، وحد المستقبل من أوله ، ومعنى ابن قتيبة: جئت بالحق بينت لنا .
قوله تعالى: وما كادوا يفعلون فيه قولان . أحدهما: لغلاء ثمنها ، قاله والثاني: لخوف الفضيحة على أنفسهم في معرفة القاتل منهم ، قاله ابن كعب القرظي . قال وهب . مكثوا يطلبون البقرة أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل ، فأبى أن يبيعها إلا بملء مسكها ذهبا ، وهذا قول ابن عباس: مجاهد ، وعكرمة ، وعبيدة ، ووهب ، وابن زيد ، والكلبي ، في مقدار الثمن . فأما السبب الذي لأجله غلا ثمنها ، فيحتمل وجهين . أحدهما: أنهم شددوا فشدد الله عليهم . والثاني: لإكرام الله عز وجل صاحبها ، فإن كان برا بوالديه . فذكر بعض المفسرين أنه كان شاب من بني إسرائيل برا بأبيه ، فجاء رجل يطلب سلعة هي عنده ، فانطلق ليبيعه إياها ، فإذا مفاتيح حانوته مع أبيه ، وأبوه نائم ، فلم يوقظه ، ورد المشتري ، فأضعف له المشتري الثمن ، فرجع إلى أبيه ، فوجده نائما ، فعاد إلى المشتري فرده ، فأضعف له الثمن ، فلم يزل ذلك دأبهما حتى ذهب المشتري ، فأثابه الله على بره بأبيه أن نتجت له بقرة من بقرة ، تلك البقرة . ومقاتل
[ ص: 100 ] وروي عن في حديث طويل أن فتى كان برا بوالديه ، وكان يحتطب على ظهره ، فإذا باعه تصدق بثلثه ، وأعطى أمه ثلثه ، وأبقى لنفسه ثلثه ، فقالت له أمه يوما: إني ورثت من أبيك بقرة ، فتركتها في البقر على اسم الله ، فإذا أتيت البقر ، فادعها باسم إله وهب بن منبه إبراهيم ، فذهب فصاح بها ، فأقبلت ، فأنطقها الله ، فقالت: اركبني يا فتى ، فقال [الفتى: إن أمي ] لم تأمرني بهذا . فقالت: أيها البر بأمه! لو ركبتني لم تقدر علي ، فانطلق ، فلو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله [وينطلق معك ] لانقلع لبرك بأمك . فلما جاء بها قالت أمه: بعها بثلاثة دنانير على رضى مني ، فبعث الله ملكا فقال: بكم هذه؟ قال: بثلاثة دنانير على رضى من أمي . قال: لك ستة ولا تستأمرها ، فأبى ، وعاد إلى أمه فأخبرها ، فقالت: بعها بستة على رضى مني ، فجاء الملك فقال: خذ اثني عشر وتستأمرها ، فأبى ، وعاد إلى أمه فأخبرها ، فقالت: يا بني! ذاك ملك ، فقل له: بكم تأمرني أن أبيعها؟ فجاء إليه فقال له ذلك ، فقال: يا فتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل في بني إسرائيل .