ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين
قوله تعالى : " ودخل معه السجن فتيان " قال الزجاج : فيه دليل على أنه حبس ، وإن لم يذكر ذلك . و " فتيان " جائز أن يكونا حدثين أو شيخين ، لأنهم يسمون المملوك فتى . قال ابن الأنباري : إنما قال : " فتيان " لأنهما كانا مملوكين ، والعرب تسمي المملوك فتى ، شابا كان أو شيخا . قال المفسرون : عمر ملك مصر فملوه ، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه ، فبلغه ذلك فحبسهما ، فكان يوسف قال لأهل السجن : إني أعبر الأحلام ، فقال أحد الفتيين : هلم فلنجرب هذا العبد العبراني .
واختلفوا هل كانت رؤياهما صادقة ، أم لا ؟ على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها كانت كذبا ، وإنما سألاه تجريبا ، قاله ابن مسعود ، والسدي . [ ص: 223 ] والثاني : أنها كانت صدقا ، قاله مجاهد ، وابن إسحاق . والثالث : أن الذي صلب منهما كان كاذبا ، وكان الآخر صادقا ، قاله أبو مجلز .
قوله تعالى : " قال أحدهما " يعني الساقي " إني أراني " أي : في النوم " أعصر خمرا " أي : عنبا . وفي تسمية العنب خمرا ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه سماه باسم ما يؤول إليه ، لأن المعنى لا يلتبس ، كما يقال : فلان يطبخ الآجر ويعمل الدبس ، وإنما يطبخ اللبن ويصنع التمر ، وهذا قول أكثر المفسرين . قال ابن الأنباري : وإنما كان كذلك ، لأن العرب توقع بالفرع ما هو واقع بالأصل ، كقولهم : فلان يطبخ آجرا .
والثاني : أن الخمر في لغة أهل عمان اسم للعنب ، قاله الضحاك ، والزجاج . قال ابن القاسم : وقد نطقت قريش بهذه اللغة وعرفتها .
والثالث : أن المعنى : أعصر عنب خمر ، وأصل خمر ، وسبب خمر ، فحذف المضاف ، وخلفه المضاف إليه ، كقوله : واسأل القرية [يوسف :82] . قال أبو صالح عن ابن عباس : رأى يوسف ذات يوم الخباز والساقي مهمومين ، فقال : ما شأنكما ، قالا رأينا رؤيا ، قال : قصاها علي ، قال الساقي : إني رأيت كأني دخلت كرما فجنيت ثلاثة عناقيد عنب ، فعصرتهن في الكأس ، ثم أتيت به الملك فشربه ، وقال الخباز : رأيت أني خرجت من مطبخ الملك أحمل فوق رأسي ثلاث سلال من خبز ، فوقع طير على أعلاهن فأكل منها ، " نبئنا بتأويله " أي : أخبرنا بتفسيره . وفي قوله : " إنا نراك من المحسنين " خمسة أقوال :
أحدها : أنه كان يعود المرضى ويداويهم ويعزي الحزين ، رواه مجاهد عن ابن عباس .
والثاني : إنا نراك محسنا إن أنبأتنا بتأويله ، قاله ابن إسحاق .
[ ص: 224 ] والثالث : إنا نراك من العالمين قد أحسنت العلم ، قاله الفراء . قال ابن الأنباري : فعلى هذا يكون مفعول الإحسان محذوفا ، كما حذف في قوله : وفيه يعصرون [يوسف :49] يعني العنب والسمسم . وإنما علموا أنه عالم ، لنشره العلم بينهم .
والرابع : إنا نراك ممن يحسن التأويل ، ذكره الزجاج .
والخامس : إنا نراك محسنا إلى نفسك بلزومك طاعة الله ، ذكره ابن الأنباري .


