وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون
قوله تعالى : " وجاء إخوة يوسف " روى عن الضحاك قال : لما فوض الملك إلى ابن عباس يوسف أمر مصر ، تلطف يوسف للناس ، ولم يزل يدعوهم إلى الإسلام ، فآمنوا به وأحبوه ، فلما أصاب الناس القحط ، نزل ذلك بأرض كنعان ، فأرسل يعقوب ولده للميرة ، وذاع أمر يوسف في الآفاق ، وانتشر عدله ورحمته ورأفته ، فقال يعقوب : يا بني ، إنه قد بلغني أن بمصر ملكا صالحا ، فانطلقوا إليه وأقرئوه مني السلام ، وانتسبوا له لعله يعرفكم ، فانطلقوا فدخلوا عليه ، فعرفهم وأنكروه ، قال : من أين أقبلتم ؟ قالوا : من أرض كنعان ، ولنا شيخ يقال له : يعقوب ، وهو يقرئك السلام ، فبكى وعصر عينيه وقال : لعلكم جواسيس جئتم تنظرون عورة بلدي ، فقالوا : لا والله ، ولكنا من كنعان ، أصابنا الجهد فأمرنا أبونا أن نأتيك ، فقد بلغه عنك خير ، قال : فكم أنتم ؟ قالوا : أحد عشر أخا ، وكنا اثني عشر فأكل أحدنا الذئب ، قال : فمن يعلم صدقكم ؟ ائتوني بأخيكم الذي من أبيكم . وروى عن أبو صالح قال : لما دخلوا عليه كلموه بالعبرانية ، فأمر الترجمان فكلمهم ليشبه عليهم ، فقال للترجمان : قل لهم : أنتم عيون ، بعثكم ملككم لتنظروا إلى أهل ابن عباس مصر فتخبرونه فيأتينا بالجنود ، فقالوا : لا ، [ ص: 247 ] ولكنا قوم لنا أب شيخ كبير ، وكنا اثني عشر ، فهلك منا واحد في الغنم ، وقد خلفنا عند أبينا أخا له من أمه ، فقال : إن كنتم صادقين ، فخلفوا عندي بعضكم رهنا ، وائتوني بأخيكم ، فحبس عنده شمعون .
واختلفوا بماذا عرفهم يوسف على قولين :
أحدهما : أنه عرفهم برؤيتهم ، قاله . والثاني : أنه ما عرفهم حتى تعرفوا إليه ، قاله ابن عباس . الحسن
قوله تعالى : " وهم له منكرون " قال : لا يعرفونه . مقاتل
وفي علة كونهم لم يعرفوه قولان :
أحدهما : أنهم جاؤوه مقدرين أنه ملك كافر ، فلم يتأملوا منه ما يزول به عنهم الشك .
والثاني : أنهم عاينوا من زيه وحليته ما كان سببا لإنكارهم . وقد روى عن أبو صالح أنه كان لابسا ثياب حرير ، وفي عنقه طوق من ذهب . ابن عباس
فإن قيل : كيف يخفى من قد أعطي نصف الحسن ، وكيف يشتبه بغيره ؟
فالجواب : أنهم فارقوه طفلا ورأوه كبيرا ، والأحوال تتغير ، وما توهموا أنه ينال هذه المرتبة . وقال : معنى كونه أعطي نصف الحسن ، أن الله جعل للحسن غاية وحدا ، وجعله لمن شاء من خلقه ، إما للملائكة ، أو للحور ، فجعل ابن قتيبة ليوسف نصف ذلك الحسن ، فكأنه كان حسنا مقاربا لتلك الوجوه الحسنة ، وليس كما يزعم الناس من أنه أعطي هذا الحسن ، وأعطي الناس كلهم نصف الحسن .