قوله تعالى : " ولما دخلوا على يوسف " يعني إخوته " آوى إليه أخاه " يعني بنيامين ، وكان أخاه لأبيه وأمه ، قاله ، وضمه إليه وأنزله معه . قال قتادة : يقال : آويت فلانا إلي ، بمد الألف : إذا ضممته إليك ، وأويت إلى بني فلان ، بقصر الألف : إذا لجأت إليهم . ابن قتيبة
وفي قوله : " قال إني أنا أخوك " قولان :
أحدهما : أنهم لما دخلوا عليه حبسهم بالباب ، وأدخل أخاه ، فقال له : ما اسمك ؟ فقال : بنيامين ، قال : فما اسم أمك ؟ قال : راحيل بنت لاوي ، فوثب إليه فاعتنقه ، فقال : " إني أنا أخوك " ، قاله عن أبو صالح ، وكذلك قال ابن عباس : أخبره أنه ابن إسحاق يوسف .
والثاني : أنه لم يعترف له بذلك ، وإنما قال : أنا أخوك مكان أخيك الهالك ، قاله . وقيل : إنه أجلسهم كل اثنين على مائدة ، فبقي وهب بن منبه بنيامين وحيدا يبكي ، وقال : لو كان أخي حيا لأجلسني ، معه فضمه يوسف إليه ، وقال : إني أرى هذا وحيدا ، فأجلسه معه على مائدته . فلما جاء الليل ، نام كل اثنين على منام ، فبقي وحيدا ، فقال يوسف : هذا ينام معي . فلما خلا به ، [ ص: 256 ] قال هل لك أخ من أمك ؟ قال : كان لي أخ من أمي فهلك ، فقال : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ، فقال : أيها الملك ، ومن يجد أخا مثلك ؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف ، وقام إليه فاعتنقه ، وقال : " إني أنا أخوك " يوسف " فلا تبتئس " قال : لا تأس ولا تحزن ، وقال قتادة : لا تحزن ولا تستكن . قال الزجاج : " تبتئس " تفتعل ، من البؤس ، وهو الضر والشدة ، أي : لا يلحقنك بؤس بالذي فعلوا . ابن الأنباري
قوله تعالى : " بما كانوا يعملون " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنهم كانوا يعيرون يوسف وأخاه بعبادة جدهما أبي أمهما للأصنام ، فقال : لا تبتئس بما كانوا يعملون من التعيير لنا ، روى هذا المعنى عن أبو صالح . ابن عباس
والثاني : لا تحزن بما سيعملون بعد هذا الوقت حين يسرقونك ، فتكون " كانوا " بمعنى " يكونون " قال الشاعر :
فأدركت من قد كان قبلي ولم أدع لمن كان بعدي من القصائد مصنعا
وقال آخر :
وانضح جوانب قبره بدمائها فلقد يكون أخا دم وذبائح
أراد : فقد كان ، وهذا مذهب . مقاتل
والثالث : لا تحزن بما عملوا من حسدنا ، وحرصوا على صرف وجه أبينا عنا ، وإلى هذا المعنى ذهب ابن إسحاق .