ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون
قوله تعالى : " ألم تر كيف ضرب الله مثلا " قال المفسرون : ألم تر بعين [ ص: 358 ] قلبك فتعلم بإعلامي إياك كيف ضرب الله مثلا ، أي : بين شبها ، " كلمة طيبة " قال : هي شهادة أن لا إله إلا الله . " ابن عباس كشجرة طيبة " أي : طيبة الثمرة ، فترك ذكر الثمرة اكتفاء بدلالة الكلام عليه .
وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها النخلة ، وهو في " الصحيحين " من حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رواه ابن عمر عن سعيد بن جبير ، وبه قال ابن عباس ، ابن مسعود ، وأنس بن مالك ، ومجاهد ، وعكرمة في آخرين . والضحاك
والثاني : أنها شجرة في الجنة ، رواه أبو ظبيان عن . ابن عباس
والثالث : أنها المؤمن ، وأصله الثابت أنه يعمل في الأرض ويبلغ عمله السماء . وقوله : " تؤتي أكلها كل حين " فالمؤمن يذكر الله كل ساعة من النهار ، رواه عطية عن . ابن عباس
قوله تعالى : " أصلها ثابت " أي : في الأرض ، " وفرعها " أعلاها عال " في السماء " أي : نحو السماء ، وأكلها : ثمرها ، وفي الحين ها هنا ستة أقوال :
[ ص: 359 ] أحدها : أنه ثمانية أشهر ، قال علي عليه السلام .
والثاني : ستة أشهر ، رواه عن سعيد بن جبير ، وبه قال ابن عباس ، الحسن ، وعكرمة . وقتادة
والثالث : أنه بكرة وعشية ، رواه أبو ظبيان عن . ابن عباس
والرابع : أنه السنة ، روي عن أيضا ، وبه قال ابن عباس ، مجاهد . وابن زيد
والخامس : أنه شهران ، قاله . سعيد بن المسيب
والسادس : أنه غدوة وعشية وكل ساعة ، قاله . ابن جرير
فمن قال : ثمانية أشهر ، أشار إلى مدة حملها باطنا وظاهرا ، ومن قال : ستة أشهر ، فهي مدة حملها إلى حين صرامها ، ومن قال : بكرة وعشية ، أشار إلى الاجتناء منها ، ومن قال : سنة ، أشار إلى أنها لا تحمل في السنة إلا مرة ، ومن قال : شهران ، فهو مدة صلاحها . قال : لا يكون في النخلة أكلها إلا شهرين . ومن قال : كل ساعة ، أشار إلى أن ثمرتها تؤكل دائما . قال ابن المسيب : تؤكل ثمرتها في الشتاء والصيف . قال قتادة : الطلع في الشتاء من أكلها ، والبلح والبسر والرطب والتمر في الصيف . ابن جرير
فأما الحكمة في تمثيل الإيمان بالنخلة ، فمن أوجه :
أحدها : أنها شديدة الثبوت ، فشبه ثبات الإيمان في قلب المؤمن بثباتها .
والثاني : أنها شديدة الارتفاع ، فشبه ارتفاع عمل المؤمن بارتفاع فروعها .
والثالث : أن ثمرتها تأتي في كل حين ، فشبه ما يكسب المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل وقت بثمرتها المجتناة في كل حين على اختلاف صنوفها ، فالمؤمن كلما قال : لا إله إلا الله ، صعدت إلى السماء ، ثم جاءه خيرها ومنفعتها .
[ ص: 360 ] والرابع : أنها أشبه الشجر بالإنسان ، فإن كل شجرة يقطع رأسها تتشعب غصونها من جوانبها ، إلا هي ، إذا قطع رأسها يبست ، ولأنها لاتحمل حتى تلقح ، ولأنها فضلة تربة آدم عليه السلام فيما يروى .