[ ص: 393 ] قوله تعالى : " وأرسلنا الرياح لواقح " وقرأ حمزة ، وخلف : " الريح " . وكان أبو عبيدة يذهب إلى أن " لواقح " بمعنى ملاقح ، فسقطت الميم منه ، قال الشاعر :
ليبك يزيد بائس لضراعة وأشعث ممن طوحته الطوائح
أراد : المطاوح فحذف الميم ، فمعنى الآية عنده : وأرسلنا الرياح ملقحة ، فيكون ها هنا فاعل بمعنى مفعل ، كما أتى فاعل بمعنى مفعول ، كقوله : ماء دافق [الطارق :6] أي : مدفوق ، و " عيشة راضية " [الحاقة :21 والقارعة :7] أي : مرضية ، وكقولهم : ليل نائم ، أي : منوم فيه ، ويقولون : أبقل النبت ، فهو باقل ، أي : مبقل . قال ابن قتيبة : يريد أبو عبيدة أنها تلقح الشجر ، وتلقح السحاب كأنها تنتجه . ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير بهذا الاستكراه وهو يجد العرب تسمي الرياح لواقح ، والريح لاقحا ، قال الطرماح ، وذكر بردا مده على أصحابه في الشمس يستظلون به :
قلق لأفنان الريا ح للاقح منها وحائل
فاللاقح : الجنوب ، والحائل : الشمال ، ويسمون الشمال أيضا : عقيما ، والعقيم : التي لا تحمل ، كما سموا الجنوب لاقحا ، قال كثير :
ومر بسفساف التراب عقيمها
يعني : الشمال . وإنما جعلوا الريح لاقحا ، أي : حاملا ، لأنها تحمل السحاب [ ص: 394 ] وتقلبه وتصرفه ، ثم تحله فينـزل ، فهي على هذا حامل ، ويدل على هذا قوله : حتى إذا أقلت سحابا [الأعراف :57 ] أي : حملت . قال ابن الأنباري : شبه ما تحمله الريح من الماء وغيره ، بالولد التي تشتمل عليه الناقة ، وكذلك يقولون : حرب لاقح ، لما تشتمل عليه من الشر ، فعلى قول أبي عبيدة ، يكون معنى " لواقح " : أنها ملقحة لغيرها ، وعلى قول ابن قتيبة : أنها لاقحة نفسها ، وأكثر الأحاديث تدل على القول الأول . قال عبد الله بن مسعود : يبعث الله الرياح لتلقح السحاب ، فتحمل الماء ، فتمجه ثم تمريه ، فيدر كما تدر اللقحة . وقال الضحاك : يبعث الله الرياح على السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء . قال النخعي : تلقح السحاب ولا تلقح الشجر . وقال الحسن في آخرين : تلقح السحاب والشجر ، يعنون أنها تلقح السحاب حتى يمطر والشجر حتى يثمر .
قوله تعالى : " فأنزلنا من السماء " يعني السحاب " ماء " يعني المطر " فأسقيناكموه " أي : جعلناه سقيا لكم . قال الفراء : العرب مجتمعون على أن يقولوا : سقيت الرجل ، فأنا أسقيه : إذا سقيته لشفته ، فإذا أجروا للرجل نهرا [قالوا : أسقيته وسقيته ، وكذلك السقيا من الغيث ، قالوا فيها : سقيت وأسقيت] . وقال أبو عبيدة : كل ما كان من السماء ، ففيه لغتان : أسقاه الله ، وسقاه الله ، قال لبيد :
[ ص: 395 ]
سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال
فجاء باللغتين . وتقول : سقيت الرجل ماء وشرابا من لبن وغيره ، وليس فيه إلا لغة واحدة بغير ألف ، إذا كان في الشفة ; وإذا جعلت له شربا ، فهو : أسقيته ، وأسقيت أرضه ، وإبله ، ولا يكون غير هذا ، وكذلك إذا استسقيت له ، كقول ذي الرمة :
وقفت على رسم لمية ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه
فإذا وهبت له إهابا ليجعله سقاء ، فقد أسقيته إياه .
قوله تعالى : وما أنتم له " يعني : الماء المنزل " بخازنين " وفيه قولان :
أحدهما : بحافظين ، أي : ليست خزائنه بأيديكم ، قاله مقاتل .
والثاني : بمانعين ، قاله سفيان الثوري .
قوله تعالى : " ونحن الوارثون " يعني : أنه الباقي بعد فناء الخلق .


