قوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان " يعني آدم " من صلصال " وفيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار ، فإذا نقرته صل ، فسمعت له صلصلة ، قاله ، ابن عباس ، وقتادة ، وأبو عبيدة . وابن قتيبة
والثاني : أنه الطين المنتن ، قاله ، مجاهد ، والكسائي . ويقال : صل اللحم : إذا تغيرت رائحته . وأبو عبيد
والثالث : أنه طين خلط برمل ، فصار له صوت عند نقره ، قاله . الفراء
فأما الحمأ ، فقال : هو جمع حمأة ، وهو الطين المتغير . وقال أبو عبيدة : لا خلاف أن الحمأ : الطين الأسود المتغير الريح . وروى ابن الأنباري عن أشياخه قال : بل التراب حتى صار طينا ، ثم ترك حتى أنتن وتغير . السدي
[ ص: 398 ] وفي المسنون أربعة أقوال :
أحدها : المنتن أيضا ، رواه عن مجاهد ، وبه قال ابن عباس ، مجاهد في آخرين . قال وقتادة : المسنون : المتغير الرائحة . ابن قتيبة
والثاني : أنه الطين الرطب ، رواه ابن أبي طلحة عن . ابن عباس
والثالث : أنه المصبوب ، قاله ، أبو عمرو بن العلاء . وأبو عبيد
والرابع : أنه المحكوك ، ذكره ، قال : فمن قال : المسنون : المنتن ، قال : هو من قولهم : قد تسنى الشيء : إذا أنتن ، ومنه قوله تعالى : ابن الأنباري لم يتسنه [البقرة :259] ، وإنما قيل له : مسنون ، لتقادم السنين عليه . ومن قال : الطين الرطب ، قال : سمي مسنونا ، لأنه يسيل وينبسط ، فيكون كالماء المسنون المصبوب . ومن قال : المصبوب ، احتج بقول العرب : قد سننت علي الماء : إذا صببته . ويجوز أن يكون المصبوب على صورة ومثال ، من قوله : رأيت سنة وجهه ، أي : صورة وجهه ، قال الشاعر :
تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب
ومن قال : المحكوك ، احتج بقول العرب : سننت الحجر على الحجر : إذا حككته عليه . وسمي المسن مسنا ، لأن الحديد يحك عليه . قال : وإنما كررت " من " لأن الأولى متعلقة بـ " خلقنا " والثانية متعلقة بالصلصال ، تقديره : ولقد خلقنا الإنسان من الصلصال الذي هو من حمإ مسنون .
قوله تعالى : " والجان " فيه ثلاثة أقوال :
[ ص: 399 ] أحدها : أنه مسيخ الجن ، كما أن القردة والخنازير مسيخ الإنس ، رواه عن عكرمة . ابن عباس
والثاني : أنه أبو الجن ، قاله عن أبو صالح . وروى عنه ابن عباس أنه قال : الجان أبو الجن ، وليسوا بشياطين ، والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس ، والجن يموتون ، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر . الضحاك
والثالث : أنه إبليس ، قاله ، الحسن ، وعطاء ، وقتادة . ومقاتل
فإن قيل : أليس أبو الجن هو إبليس ؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنه هو ، فيكون هذا القول هو الذي قبله .
والثاني : أن الجان أبو الجن ، وإبليس أبو الشياطين ، فبينهما إذا فرق على ما ذكرناه عن . قال العلماء : وإنما سمي جانا ، لتواريه عن العيون . ابن عباس
قوله تعالى : " من قبل " يعني : قبل خلق آدم " من نار السموم " ، [ ص: 400 ] وقال : من نار الريح الحارة ، وهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم . والسموم في اللغة : الريح الحارة وفيها نار ، قال ابن مسعود : وهي نار لا دخان لها . ابن السائب