إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين
قوله تعالى : " إلهكم إله واحد " قد ذكرناه في سورة (البقرة :163) .
قوله تعالى : " فالذين لا يؤمنون بالآخرة " أي : بالبعث والجزاء " قلوبهم منكرة " أي : جاحدة لا تعرف التوحيد " وهم مستكبرون " أي : ممتنعون من قبول الحق .
قوله تعالى : " لا جرم " قد فسرناه في (هود :22) ، ومعنى الآية : أنه يجازيهم بسرهم وعلنهم ، لأنه يعلمه . والمستكبرون : المتكبرون عن التوحيد والإيمان . وقال : " مقاتل ما يسرون " حين بعثوا في كل طريق من يصد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يعلنون " حين أظهروا العداوة لرسول الله .
[ ص: 439 ] قوله تعالى : " وإذا قيل لهم " يعني : المستكبرين " ماذا أنزل ربكم " على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " ماذا " بمعنى " ما الذي " . و " الزجاج أساطير الأولين " مرفوعة على الجواب . كأنهم قالوا : الذي أنزل : أساطير الأولين ، أي : الذي تذكرون أنتم أنه منزل : أساطير الأولين . وقد شرحنا معنى الأساطير في (الأنعام :25) . قال : الذين بعثهم مقاتل الوليد بن المغيرة في طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان ، ويقول بعضهم : إن محمدا ساحر ، ويقول بعضهم : شاعر ، وقد شرحنا هذا المعنى في (الحجر:90) في ذكر المقتسمين .
قوله تعالى : " ليحملوا أوزارهم " هذه لام العاقبة ، وقد شرحناها في غير موضع ، والأوزار : الآثام ، وإنما قال : كاملة ، لأنه لم يكفر منها شيء بما يصيبهم من نكبة ، أو بلية ، كما يكفر عن المؤمن ، " ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " أي : أنهم أضلوهم بغير دليل ، وإنما حملوا من أوزار الأتباع ، لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضلالة ، وقد ذكر في " من " وجهين : ابن الأنباري
أحدهما : أنها للتبعيض ، فهم يحملون ما شركوهم فيه ، فأما ما ركبه أولئك باختيارهم من غير تزيين هؤلاء ، فلا يحملونه ، فيصح معنى التبعيض .
والثاني : أن " من " مؤكدة ، والمعنى : وأوزار الذين يضلونهم . " ألا ساء ما يزرون " أي : بئس ما حملوا على ظهورهم .
قوله تعالى : " قد مكر الذين من قبلهم " قال المفسرون : يعني به : النمرود بن كنعان ، وذلك أنه بنى صرحا طويلا . واختلفوا في طوله ، فقال : [ ص: 440 ] خمسة آلاف ذراع ، وقال ابن عباس : كان طوله فرسخين ، قالوا : ورام أن يصعد إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه . ومعنى " المكر " هاهنا : التدبير الفاسد . مقاتل
وفي الهاء والميم من " قبلهم " قولان :
أحدهما : أنها للمقتسمين على عقاب مكة ، قاله . ابن السائب
والثاني : لكفار مكة ، قاله . مقاتل
قوله تعالى : " فأتى الله بنيانهم من القواعد " أي : من الأساس . قال المفسرون : أرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح في البحر ، وخر عليهم الباقي .
قال : لما سقط الصرح ، تبلبلت ألسن الناس من الفزع ، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا ، فلذلك سميت " بابل " ، وإنما كان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية ، وهذا قول مردود ، لأن التبلبل يوجب الاختلاط والتكلم بشيء غير مستقيم ، فأما أن يوجب إحداث لغة مضبوطة الحواشي ، فباطل ، وإنما اللغات تعليم من الله تعالى . السدي
فإن قيل : إذا كان الماكر واحدا ، فكيف قال : " الذين " ولم يقل : " الذي " ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه كان الماكر ملكا له أتباع ، فأدخلوا معه في الوصف .
والثاني : أن العرب توقع الجمع على الواحد ، فيقول قائلهم : خرجت إلى البصرة على البغال ، وإنما خرج على بغل واحد .
والثالث : أن " الذين " غير موقع على واحد معين ، لكنه يراد به : قد مكر الجبارون الذين من قبلهم ، فكان عاقبة مكرهم رجوع البلاء عليهم ، ذكر هذه الأجوبة . قال : وذكر بعض العلماء : أنه إنما قال : " من فوقهم " ، [ ص: 441 ] لينبه على أنهم كانوا تحته ، إذ لو لم يقل ذلك ، لاحتمل أنهم لم يكونوا تحته ، لأن ابن الأنباري العرب تقول : سقط علينا البيت ، وخر علينا الحانوت ، وتداعت علينا الدار ، وليسوا تحت ذلك .
قوله تعالى : " وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " أي : من حيث ظنوا أنهم آمنون فيه . قال : أخذوا من مأمنهم . وروى السدي عطية عن قال : خر عليهم عذاب من السماء . وعامة المفسرين على ما حكيناه من أنه بنيان سقط . وقال ابن عباس : هذا مثل ، والمعنى : أهلكهم الله ، كما هلك من هدم مسكنه من أسفله ، فخر عليه . ابن قتيبة
قوله تعالى : " ثم يوم القيامة يخزيهم " أي : يذلهم بالعذاب . " ويقول أين شركائي " قرأ ، نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة : " شركائي الذين " بهمزة وفتح الياء ، وقال والكسائي عن البزي : " شركاي " مثل " هداي " ، والمعنى : أين شركائي على زعمكم ؟ هلا دفعوا عنكم ! . " ابن كثير الذين كنتم تشاقون فيهم " أي : تخالفون المسلمين فتعبدونهم وهم يعبدون الله ، وقرأ : " تشاقون " بكسر النون ، أراد : تشاقونني ، فحذف النون الثانية ، وأبقى الكسرة تدل عليها ، والمعنى : كنتم تنازعونني فيهم ، وتخالفون أمري لأجلهم . نافع
قوله تعالى : " قال الذين أوتوا العلم " فيهم ثلاثة أقوال :
أحدها : أنهم الملائكة ، قاله . والثاني : الحفظة من الملائكة ، قاله ابن عباس . والثالث : أنهم المؤمنون . مقاتل
فأما " الخزي " فقد شرحناه في مواضع [آل عمران :192] و " السوء " هاهنا : العذاب .