وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون
قوله تعالى : " وأوحى ربك إلى النحل " في هذا الوحي قولان :
أحدهما : أنه إلهام ، رواه عن الضحاك ، وبه قال ابن عباس ، مجاهد ، والضحاك . ومقاتل
والثاني : أنه أمر ، رواه عن العوفي . وروى ابن عباس ابن مجاهد عن أبيه قال : أرسل إليها . والنحل : زنابير العسل ، واحدتها نحلة . و " يعرشون " يجعلونه عريشا . وقرأ ، ابن عامر عن وأبو بكر " يعرشون " بضم الراء ، وهما لغتان ، يقال : " يعرش " و " يعرش " مثل " يعكف " و " يعكف " ثم فيه قولان : عاصم
أحدهما : ما يعرشون من الكروم ، قاله ابن زيد .
والثاني : أنها سقوف البيوت ، قاله . وقال الفراء : كل شيء عرش ، من كرم ، أو نبات ، أو سقف ، فهو عرش ، ومعروش . وقيل : المراد بـ " مما يعرشون " : مما يبنون لهم من الأماكن التي تلقي فيها العسل ، ولولا التسخير ، ما كانت تأوي إليها . ابن قتيبة
قوله تعالى : " ثم كلي من كل الثمرات " قال : أي : من الثمرات ، [ ص: 466 ] و " كل " هاهنا ليست على العموم ، ومثله قوله : ابن قتيبة تدمر كل شيء [الأحقاف :25] . قال : فهي تأكل الحامض ، والمر ، وما لا يوصف طعمه ، فيحيل الله عز وجل من ذلك عسلا . الزجاج
قوله تعالى : " فاسلكي سبل ربك " السبل : الطرق ، وهي التي يطلب فيها الرعي . و " الذلل " جمع ذلول . وفي الموصوف بها قولان :
أحدهما : أنها السبل ، فالمعنى : اسلكي السبل مذللة لك ، فلا يتوعر عليها مكان سلكته ، وهذا قول ، واختيار مجاهد . الزجاج
والثاني : أنها النحل ، فالمعنى : إنك مذللة بالتسخير لبني آدم ، وهذا قول ، واختيار قتادة . ابن قتيبة
قوله تعالى : " يخرج من بطونها شراب " يعني : العسل " مختلف ألوانه " قال : منه أحمر ، وأبيض ، وأصفر . قال ابن عباس : [يخرج] من بطونها ، إلا أنها تلقيه من أفواهها ، وإنما قال : من بطونها ، لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن ، فيخرج كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن الزجاج آدم .
قوله تعالى : " فيه شفاء للناس " في هاء الكناية ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها ترجع إلى العسل ، رواه عن العوفي ، وبه قال ابن عباس . واختلفوا ، هل الشفاء الذي فيه يختص بمرض دون غيره ، أم لا ؟ على قولين : أحدهما : أنه عام في كل مرض . قال ابن مسعود : العسل شفاء من كل داء . وقال ابن مسعود : فيه شفاء للناس من الأدواء . وقد روى قتادة قال : أبو سعيد الخدري " أخرجه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال : " اسقه عسلا " فسقاه ، ثم أتى فقال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، قال : " اسقه ، [ ص: 467 ] عسلا " ، فذكر الحديث . . . إلى أن قال : فشفي ، إما في الثالثة ، وإما في الرابعة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله ، وكذب بطن أخيك البخاري . ويعني بقوله " صدق الله " : هذه الآية . والثاني : فيه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه ، قاله ومسلم . والصحيح أن ذلك خرج مخرج الغالب . قال السدي : الغالب على العسل أنه يعمل في الأدواء ، ويدخل في الأدوية ، فإذا لم يوافق آحاد المرضى ، فقد وافق الأكثرين ، وهذا كقول ابن الأنباري العرب : الماء حياة كل شيء ، وقد نرى من يقتله الماء ، وإنما الكلام على الأغلب .
والثاني : أن الهاء ترجع إلى الاعتبار . والشفاء : بمعنى الهدى ، قاله . الضحاك
والثالث : أنها ترجع إلى القرآن ، قاله . مجاهد