[ ص: 3 ] سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون . الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين
وهي مدنية كلها بإجماعهم
روى في " صحيحه " من حديث أبو عبد الله الحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " عائشة لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور " يعني: النساء .
[ ص: 4 ] قوله عز وجل: سورة قرأ الجمهور بالرفع . وقرأ أبو رزين العقيلي، ، وابن أبي عبلة ومحبوب عن " سورة " بالنصب . قال أبي عمرو: من رفع، فعلى الابتداء . وقال أبو عبيدة: هذا قبيح، لأنها نكرة، و الزجاج: أنزلناها صفة لها، وإنما الرفع على إضمار: هذه سورة، والنصب على وجهين،أحدهما على معنى: أنزلنا سورة، وعلى معنى: اتل سورة .
قوله تعالى: وفرضناها قرأ ابن كثير، بالتشديد، وقرأ وأبو عمرو ابن مسعود، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وعكرمة، والضحاك، والزهري ونافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وابن يعمر، والأعمش، بالتخفيف . قال وابن أبي عبلة من قرأ بالتشديد، فعلى وجهين، أحدهما على معنى التكثير، أي إننا فرضنا فيها فروضا، والثاني: على معنى: بينا وفصلنا ما فيها من الحلال والحرام; ومن قرأ بالتخفيف، فمعناه: ألزمناكم العمل [ ص: 5 ] بما فرض فيها . وقال غيره: من شدد، أراد: فصلنا فرائضها، ومن خفف، فمعناه: فرضنا ما فيها . الزجاج:
قوله تعالى: الزانية والزاني القراءة المشهورة بالرفع . وقرأ أبو رزين العقيلي، وأبو الجوزاء، ، وابن أبي عبلة وعيسى بن عمر: " الزانية " بالنصب . واختار الخليل الرفع اختيار الأكثرين . قال وسيبويه والرفع أقوى في العربية، لأن معناه من زنى فاجلدوه، فتأويله الابتداء، ويجوز النصب على معنى: اجلدوا الزانية . فأما الجلد فهو ضرب الجلد; يقال: جلده: إذا ضرب جلده، كما يقال: بطنه: إذا ضرب بطنه . الزجاج:
قال المفسرون: ومعنى الآية: الزانية والزاني إذا كانا حرين بالغين بكرين، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة .
فصل
قال شيخنا علي بن عبيد الله: هذه الآية تقتضي وجوب الجلد على البكر والثيب . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق البكر زيادة على الجلد بتغريب عام، وفي حق الثيب زيادة على الجلد بالرجم بالحجارة . فروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " عبادة بن الصامت " . وممن قال بوجوب النفي في حق البكر [ ص: 6 ] البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وممن بعدهم وابن عمر، عطاء، وطاووس، وسفيان، ومالك وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وممن قال بالجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب علي بن أبي طالب، والحسن البصري، والحسن بن صالح، وأحمد، وإسحاق، قال: وذهب قوم من العلماء إلى أن المراد بالجلد المذكور في هذه الآية: البكر، [ ص: 7 ] فأما الثيب، فلا يجب عليه الجلد، وإنما يجب الرجم، روي عن وبه قال عمر، النخعي والزهري والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وروي عن ومالك، رواية مثل قول هؤلاء . أحمد
قوله تعالى: ولا تأخذكم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رزين، والضحاك، وابن يعمر، " يأخذكم " بالياء، والأعمش: بهما رأفة قرأ نافع، ، وأبو عمرو وابن عامر، وعاصم، وحمزة، " رأفة " بإسكان الهمزة . وقرأ والكسائي: أبو المتوكل، ومجاهد، وأبو عمران الجوني، بفتح الهمزة وقصرها على وزن رعفة . وقرأ وابن كثير: سعيد بن جبير، والضحاك، " رآفة " مثل سآمة وكآبة . وأبو رجاء العطاردي:
وفي معنى الكلام قولان .
أحدهما: لا تأخذكم بهما رأفة، فتخففوا الضرب، ولكن أوجعوهما، قاله سعيد بن المسيب، والحسن، والزهري، وقتادة .
والثاني: لا تأخذكم بهما رأفة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها، قاله مجاهد، والشعبي، في آخرين . وابن زيد
فصل
واختلف العلماء في شدة فقال الضرب في الحدود، ضرب الزنا أشد من القذف، والقذف أشد من الشرب، ويضرب الشارب أشد من ضرب التعزير، وعلى هذا مذهب أصحابنا وقال الحسن البصري: أبو حنيفة: التعزير أشد الضرب، وضرب الزاني أشد من ضرب الشارب، وضرب الشارب أشد من ضرب القذف . وقال الضرب في الحدود كلها سواء غير مبرح . مالك:
[ ص: 8 ] فصل
فأما ما يضرب من الأعضاء، فنقل الميموني عن في جلد الزاني، قال: يجرد، ويعطى كل عضو حقه، ولا يضرب وجهه ولا رأسه . ونقل أحمد يعقوب بن بختان: لا يضرب الرأس ولا الوجه ولا المذاكير، وهو قول أبي حنيفة . وقال لا يضرب إلا في الظهر وقال مالك: يتقى الفرج والوجه . الشافعي:
قوله تعالى: في دين الله فيه قولان .
أحدهما: في حكمه، قاله والثاني: في طاعة الله، ذكره ابن عباس . الماوردي .
قوله تعالى: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين قال القراءة بإسكان اللام، ويجوز كسرها . والمراد بعذابهما ضربهما . الزجاج:
وفي المراد بالطائفة هاهنا خمسة أقوال .
أحدها: الرجل فما فوقه، رواه ابن أبي طلحة عن وبه قال ابن عباس، وقال مجاهد الواحد طائفة . النخعي:
والثاني: الاثنان فصاعدا، قاله سعيد بن جبير، وعطاء; وعن كالقولين . قال عكرمة والقول الأول على غير ما عند أهل اللغة، لأن الطائفة في معنى جماعة، وأقل الجماعة اثنان . الزجاج:
والثالث: ثلاثة فصاعدا قاله الزهري .
والرابع: أربعة، قاله ابن زيد .
والخامس: عشرة، قاله [ ص: 9 ] قوله تعالى: الحسن البصري . الزاني لا ينكح إلا زانية قال عبد الله بن عمرو: وقال كانت امرأة تسافح، وتشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية . نزلت في بغايا، كن عكرمة: بمكة، ومنهن تسع صواحب رايات، وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية: المواخير، ولا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة، أو مشرك من أهل الأوثان، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن، فنزلت هذه الآية .
قال المفسرون: ومعنى الآية: الزاني من المسلمين لا يتزوج من أولئك البغايا إلا زانية أو مشركة لأنهن كذلك كن والزانية منهن لا ينكحها إلا زان أو مشرك ، ومذهب أصحابنا أنه إذا زنى بامرأة، لم يجز له أن يتزوجها إلا بعد التوبة منهما .
[ ص: 10 ] قوله تعالى: وحرم ذلك وقرأ أبي بن كعب، وأبو المتوكل، " وحرم الله ذلك " بزيادة اسم الله عز وجل مع فتح حروف " حرم " . وأبو الجوزاء:
وقرأ " وحرم ذلك بفتح الحاء وضم الراء مخففة . ثم فيه قولان . زيد بن علي:
أحدهما: أنه نكاح الزواني; قاله والثاني: الزنا، قاله مقاتل . الفراء .