الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم
قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض فيه قولان .
أحدهما : هادي أهل السماوات والأرض ، رواه ابن أبي طلحة عن ، [ ص: 40 ] وبه قال ابن عباس ، وبيان هذا أن النور في اللغة : الضياء ، وهو الذي تصل به الأبصار إلى مبصراتها ، فورد النور مضافا إلى الله تعالى ، لأنه هو الذي يهدي المؤمنين ويبين لهم ما يهتدون به ، والخلائق بنوره يهتدون . أنس بن مالك
والثاني : مدبر السماوات والأرض ، قاله ، مجاهد . وقرأ والزجاج ، أبي بن كعب ، وأبو المتوكل وابن السميفع : " الله نور " بفتح النون والواو وتشديدها ونصب الراء " السماوات " بالخفض " والأرض " بالنصب .
قوله تعالى: مثل نوره في هاء الكناية أربعة أقوال .
أحدها : أنها ترجع إلى الله عز وجل ، قال : مثل هداه في قلب المؤمن . ابن عباس
والثاني : أنها ترجع إلى المؤمن ، فتقديره : مثل نور المؤمن ، قاله . وكان أبي بن كعب أبي يقرآن : " مثل نور من آمن به " وابن مسعود
والثالث : أنها ترجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله . كعب
والرابع : أنها ترجع إلى القرآن قاله . سفيان
فأما المشكاة ، ففيها ثلاثة أقوال .
أحدها : أنها في موضع الفتيلة من القنديل الذي هو كالأنبوب ، والمصباح : الضوء ، قاله . ابن عباس
والثاني : أنها القنديل ، والمصباح : الفتيلة ، قاله . مجاهد
والثالث : أنها الكوة التي لا منفذ لها ، والمصباح : السراج ، قاله ، وكذلك قال كعب : المشكاة : الكوة التي ليست بنافذة . وقال الفراء : المشكاة: [ ص: 41 ] الكوة بلسان ابن قتيبة الحبشة . وقال : هي من كلام الزجاج العرب ، والمصباح السراج .
وإنما ذكر الزجاجة ، لأن النور في الزجاج أشد ضوءا منه في غيره . وقرأ ، أبو رجاء العطاردي : " في زجاجة الزجاجة " بفتح الزاي فيهما وقرأ وابن أبي عبلة معاذ القارئ ، وعاصم الجحدري ، : بكسر الزاي فيهما . قال بعض أهل المعاني : معنى الآية : كمثل مصباح في مشكاة ، فهو من المقلوب . وابن يعمر
فأما الدري ، فقرأ ، أبو عمرو ، والكسائي عن وأبان " دريء " بكسر الدال وتخفيف الياء ممدودا مهموزا . قال عاصم : المعنى على هذا : إنه من الكواكب الدراريء ، وهي اللاتي يدرأن عليك ، أي : يطلعن . وقال ابن قتيبة : هو مأخوذ من درأ يدرأ : إذا اندفع منقضا فتضاعف نوره ، يقال : تدارأ الرجلان : إذا تدافعا . وروى الزجاج عن المفضل كسر الدال وتشديد الياء من غير همز ولا مد ، وهي قراءة عاصم عبد الله بن عمر ، وقرأ والزهري ، ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر وحفص عن : " دري " بضم الدال وكسر الراء [ ص: 42 ] وتشديد الياء من غير مد ولا همز ، وقرأ عاصم ، عثمان بن عفان ، وابن عباس وعاصم الجحدري : " دريء " بفتح الدال وكسر الراء ممدودا مهموزا . وقرأ ، أبي بن كعب ، وسعيد بن المسيب : بفتح الدال وتشديد الراء والياء من غير مد ولا همز . وقرأ وقتادة ابن مسعود ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة : بفتح الدال وكسر الراء مهموزا مقصورا . قال وابن يعمر : الدري : منسوب إلى أنه كالدر في صفائه وحسنه . وقال الزجاج : الدري : الذي يشبه الدر ، والدري : جار ، والدري : يلتمع ، وقرأ الكسائي حمزة عن وأبو بكر عاصم والوليد بن عتبة عن : بضم الدال وتخفيف الياء مع إثبات الهمزة والمد ، قال ابن عامر : فالنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه في هذا ; وقال الزجاج : ليس هذا بجائز في العربية ، لأنه ليس في الكلام " فعيل " إلا أعجمي ، مثل مريق ، وما أشبهه . وقرأت على شيخنا الفراء أبي منصور اللغوي : المريق : العصفر ، أعجمي معرب ، وليس في كلامهم اسم على زنة فعيل . قال أبو علي : وقد حكى عن سيبويه أبي الخطاب : كوكب دريء : من الصفات ، ومن الأسماء : المريق : العصفر .
قوله تعالى: يوقد قرأ . ابن كثير : بالتاء المفتوحة وتشديد القاف ونصب الدال ، يريدان المصباح ، لأنه هو الذي يوقد . وقرأ وأبو عمرو ، نافع ، وابن عامر وحفص عن : " يوقد " بالياء مضمومة مع ضم الدال ، يريدون المصباح أيضا . وقرأ عاصم حمزة ، والكسائي عن وأبو بكر : " توقد " بضم التاء والدال ، يريدون الزجاجة ، قال عاصم : والمقصود : مصباح الزجاجة ، فحذف المضاف . الزجاج
قوله تعالى: من شجرة أي : من زيت شجرة ، فحذف المضاف ، يدلك على ذلك قوله : يكاد زيتها يضيء ; والمراد بالشجرة هاهنا : شجرة الزيتون، [ ص: 43 ] وبركتها من وجوه ، فإنها تجمع الأدم والدهن والوقود ، فيوقد بحطب الزيتون ويغسل برماده الإبريسم ، ويستخرج دهنه أسهل استخراج ، ويورق غصنه من أوله إلى آخره . وإنما خصت بالذكر هاهنا دون غيرها ، لأن دهنها أصفى وأضوأ .
قوله تعالى: لا شرقية ولا غربية فيه ثلاثة أقوال .
أحدها : أنها بين الشجر ، فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس ، قاله ، ورواه أبي بن كعب عن سعيد بن جبير . ابن عباس
والثاني : أنها في الصحراء لا يظلها جبل ولا كهف ، ولا يواريها شيء ، فهو أجود لزيتها ، رواه عن عكرمة ، وبه قال ابن عباس ، مجاهد . والثالث : أنها من شجر الجنة ، لا من شجر الدنيا ، قاله والزجاج . الحسن
قوله تعالى: يكاد زيتها يضيء أي : يكاد من صفائه يضيء قبل أن تصيبه النار بأن يوقد به . نور على نور قال : النار على الزيت . وقال مجاهد : المصباح نور ، والزجاجة نور . وقال ابن السائب الدمشقي : نور النار ، ونور الزيت ، ونور الزجاجة ، أبو سليمان يهدي الله لنوره فيه أربعة أقوال .
[ ص: 44 ] أحدها : لنور القرآن . والثاني : لنور الإيمان . والثالث : لنور محمد صلى الله عليه وسلم . والرابع : لدينه الإسلام .
فصل
فأما وجه هذا المثل ، ففيه ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه شبه نور محمد صلى الله عليه وسلم بالمصباح النير ; فالمشكاة جوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمصباح النور الذي في قلبه ، والزجاجة قلبه ، فهو من شجرة مباركة ، وهو إبراهيم عليه السلام ، سماه شجرة مباركة ، لأن أكثر الأنبياء من صلبه لا شرقية ولا غربية لا يهودي ولا نصراني ، يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يتبين للناس أنه نبي ولو لم يتكلم . وقال : المشكاة : القرظي إبراهيم ، والزجاجة : إسماعيل ، والمصباح : محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم . وقال : شبه الضحاك عبد المطلب بالمشكاة ، وعبد الله بالزجاجة ، ومحمدا صلى الله عليه وسلم بالمصباح .
والثاني : أنه شبه نور الإيمان في قلب المؤمن بالمصباح ، فالمشكاة : قلبه ، والمصباح : نور الإيمان فيه . وقيل : المشكاة : صدره ، والمصباح : القرآن والإيمان اللذان في [ ص: 45 ] صدره ، والزجاجة : قلبه ، فكأنه مما فيه من القرآن والإيمان كوكب مضيء توقد من شجرة ، وهي الإخلاص ، فمثل الإخلاص عنده كشجرة لا تصيبها الشمس ، فكذلك هذا المؤمن قد احترس من أن تصيبه الفتن ، فإن أعطي شكر ، وإن ابتلي صبر ، وإن قال صدق ، وإن حكم عدل ، فقلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى كما يكاد هذا الزيت يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته اشتد نوره ، فالمؤمن كلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى نور يوم القيامة .
والثالث : أنه شبه القرآن بالمصباح يستضاء به ولا ينقص ، والزجاجة : قلب المؤمن ، والمشكاة : لسانه وفمه ، والشجرة المباركة : شجرة الوحي ، تكاد حجج القرآن تتضح وإن لم نقرأ . وقيل : تكاد حجج الله تضيء لمن فكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن ، نور على نور أي : القرآن نور من الله لخلقه مع ما قد قام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن .
قوله تعالى: ويضرب الله الأمثال أي : ويبين الله الأشباه للناس ؛ تقريبا إلى الأفهام ، وتسهيلا لسبل الإدراك .