وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا . وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا
قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين قال : أي : خلى بينهما ; تقول : مرجت الدابة وأمرجتها : إذا خليتها ترعى ، ومنه الحديث : " مرجت [ ص: 96 ] عهودهم وأماناتهم " أي : اختلطت . قال المفسرون : والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما ، فما يلتقيان ، ولا يختلط الملح بالعذب ، ولا العذب بالملح ، وهو قوله : الزجاج هذا يعني : أحد البحرين عذب أي : طيب ; يقال : عذب الماء يعذب عذوبة ، فهو عذب . قال : والفرات صفة للعذب ، وهو أشد الماء عذوبة ، والأجاج صفة للملح ، وهو : المر الشديد المرارة . وقال الزجاج : هو أشد الماء ملوحة ، وقيل : هو الذي يخالطه مرارة ، ويقال : ماء ملح ، ولا يقال : مالح ، والبرزخ : الحاجز . وفي هذا الحاجز قولان . ابن قتيبة
أحدهما : أنه مانع من قدرة الله تعالى ، قاله الأكثرون . قال : فهما في مرأى العين مختلطان ، وفي قدرة الله منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر . قال الزجاج : ورأيت عند عبادان من سواد أبو سليمان الدمشقي البصرة الماء العذب ينحدر في دجلة نحو البحر ، ويأتي المد من البحر ، فيلتقيان ، فلا يختلط أحد الماءين بالآخر ، يرى ماء البحر إلى الخضرة الشديدة ، وماء دجلة إلى الحمرة الخفيفة ، فيأتي المستقي فيغرف من ماء دجلة عذبا لا يخالطه شيء ، وإلى جانبه ماء البحر في مكان واحد .
والثاني : أن الحاجز : الأرض واليبس ، وهو قول ; والأول أصح . الحسن
قوله تعالى: وحجرا محجورا قال : أي : حراما محرما أن يغلب أحدهما صاحبه . الفراء
[ ص: 97 ] قوله تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشرا أي : من النطفة بشرا ، أي : إنسانا فجعله نسبا وصهرا أي : ذا نسب وصهر . قال علي عليه السلام : النسب : ما لا يحل نكاحه ، والصهر : ما يحل نكاحه . وقال : النسب سبع ، وهو قوله : الضحاك حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله : وبنات الأخت ، والصهر خمس ، وهو قوله : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إلى قوله : من أصلابكم [النساء : 23] . وقال طاوس : الرضاعة من الصهر . وقال : " ابن قتيبة نسبا " أي : قرابة النسب ، " وصهرا " أي : قرابة النكاح . وكل شيء من قبل الزوج ، مثل الأب والأخ ، فهم الأحماء ، واحدهم حما ، مثل : قفا ، وحمو مثل أبو ، وحمء مهموز ساكن الميم ، وحم مثل أب . وحماة المرأة : أم زوجها ، لا لغة فيها غير هذه وكل شيء من قبل المرأة ، فهم الأختان . والصهر يجمع ذلك كله . وحكى
ابن فارس عن ، أنه قال : لا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان ، ولأهل بيت المرأة إلا أصهار . ومن الخليل العرب من يجعلهم أصهارا كلهم . والصهر : إذابة الشيء . وذكر أن المناكح سميت صهرا ، لاختلاط الناس بها كما يختلط الشيء إذا صهر . الماوردي
قوله تعالى: وكان الكافر على ربه ظهيرا فيه أربعة أقوال .
أحدها : معينا للشيطان على ربه ، لأن عبادته للأصنام معاونة للشيطان .
والثاني : معينا للمشركين على أن لا يوحدوا الله تعالى .
والثالث : معينا على أولياء ربه .
والرابع : وكان الكافر على ربه هينا ذليلا ، من قولك : ظهرت بفلان : إذا جعلته وراء ظهرك ولم تلتفت إليه . قالوا : والمراد بالكافر هاهنا أبو جهل .