قوله تعالى: وإذ نادى المعنى : واتل هذه القصة على قومك .
قوله تعالى: أن يكذبون ياء " يكذبون " محذوفة ، ومثلها أن يقتلون [الشعراء : 14] سيهدين [الشعراء : 62] فهو يهدين [الشعراء : 78] [ ص: 118 ] ويسقين [الشعراء:79] فهو يشفين [الشعراء : 80] ثم يحيين [الشعراء : 81] كذبون [الشعراء : 117] وأطيعون [الشعراء : 108] فهذه ثمان آيات أثبتهن في الحالين يعقوب .
قوله تعالى: ويضيق صدري أي بتكذيبهم إياي ولا ينطلق لساني للعقدة التي كانت بلسانه . وقرأ يعقوب : " ويضيق " " ولا ينطلق " بنصب القاف فيهما ، فأرسل إلى هارون المعنى : ليعينني ، فحذف ، لأن في الكلام دليلا عليه . ولهم علي ذنب وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه ; والمعنى : ولهم علي دعوى ذنب فأخاف أن يقتلون به قال كلا وهو ردع وزجر عن الإقامة على هذا الظن ; والمعنى : لن يقتلوك لأني لا أسلطهم عليك ، فاذهبا يعني : أنت وأخوك بآياتنا وهي : ما أعطاهما من المعجزة إنا يعني نفسه عز وجل معكم فأجراها مجرى الجماعة مستمعون نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به .
قوله تعالى: إنا رسول رب العالمين قال : الرسول يكون بمعنى الجميع ، كقوله : ابن قتيبة هؤلاء ضيفي [الحجر : 68] وقوله : ثم نخرجكم طفلا [الحج : 5] . وقال : المعنى : إنا رسالة رب العالمين ، أي : ذوو رسالة رب العالمين ، قال الشاعر : الزجاج
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول
أي : برسالة .
[ ص: 119 ] قوله تعالى: أن أرسل المعنى : بأن أرسل معنا بني إسرائيل أي : أطلقهم من الاستعباد ، فأتياه فبلغاه الرسالة ، فـ قال ألم نربك فينا وليدا أي : صبيا صغيرا ولبثت فينا من عمرك سنين وفيها ثلاثة أقوال .
أحدها : ثماني عشرة سنة ، قاله . والثاني : أربعون سنة ، قاله ابن عباس . والثالث : ثلاثون سنة ، قاله ابن السائب . والمعنى : فجازيتنا على أن ربيناك أن كفرت نعمتنا ، وقتلت منا نفسا ، وهو قوله : مقاتل وفعلت فعلتك وهي قتل النفس . قال . وإنما نصبت الفاء ، لأنها مرة واحدة ، ولو أريد بها مثل الجلسة والمشية جاز كسرها . الفراء
وفي قوله : وأنت من الكافرين قولان .
أحدهما : من الكافرين لنعمتي ، قاله ، ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والضحاك . وابن زيد
والثاني : من الكافرين بإلهك ، كنت معنا على ديننا الذي تعيب ، قاله ، الحسن . فعلى الأول : وأنت من الكافرين الآن . وعلى الثاني : وكنت . والسدي
وفي قوله : وأنا من الضالين ثلاثة أقوال .
أحدها : من الجاهلين ، قاله ، ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير . وقال بعض المفسرين : المعنى : إني كنت جاهلا لم يأتني من الله شيء . وقتادة
والثاني : من الخاطئين ; والمعنى : إني قتلت النفس خطأ ، قاله ابن زيد .
والثالث : من الناسين ، ومثله : أن تضل إحداهما [البقرة : 282] ، قاله . أبو عبيدة
قوله تعالى: ففررت منكم أي : ذهبت من بينكم لما خفتكم على [ ص: 120 ] نفسي إلى مدين ، وقرأ عاصم الجحدري ، ، والضحاك : (لما) بكسر اللام وتخفيف الميم ، وابن يعمر فوهب لي ربي حكما وفيه قولان .
أحدهما : النبوة ، قاله . والثاني : العلم والفهم ، قاله ابن السائب . مقاتل
قوله تعالى: وتلك نعمة تمنها علي يعني التربية أن عبدت بني إسرائيل أي : اتخذتهم عبيدا ; يقال : عبدت فلانا وأعبدته واستعبدته : إذا اتخذته عبدا .
وفي " أن " وجهان .
أحدهما : أن تكون في موضع رفع على البدل من " نعمة " .
والثاني : أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض ، تقديره : لأن عبدت ، أو لتعبيدك .
واختلف العلماء في تفسير الآية ، ففسرها قوم على الإنكار ، وقوم على الإقرار .
فمن فسرها على الإنكار قال معنى الكلام : أوتلك نعمة؟! على طريق الاستفهام ، ومثله هذا ربي [الأنعام : 76] ، وقوله : فهم الخالدون [الأنبياء : 34] ، وأنشدوا :
[لم أنس يوم الرحيل وقفتها وجفنها من دموعها شرق]
وقولها والركاب سائرة تتركنا هكذا وتنطلق
[ ص: 121 ] وهذا قول جماعة منهم . ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال .
أحدها : أن فرعون أخذ أموال بني إسرائيل واستعبدهم وأنفق على موسى منها ، فأبطل موسى النعمة لأنها أموال بني إسرائيل ، قاله . الحسن
والثاني : أن المعنى : إنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكفلني أهلي ، وكانت أمي تستغني عن قذفي في اليم ، فكأنك تمن علي بما كان بلاؤك سببا له ، وهذا قول ، المبرد ، والزجاج والأزهري .
والثالث : أن المعنى : تمن علي بإحسانك إلي خاصة ، وتنسى إساءتك بتعبيدك بني إسرائيل؟! قاله . مقاتل
والرابع : أن المعنى : كيف تمن علي بالتربية وقد استعبدت قومي؟! ومن أهين قومه فقد ذل ، فقد حبط إحسانك إلي بتعبيدك قومي ، حكاه . الثعلبي
فأما من فسرها على الإقرار ، فإنه قال : عدها موسى نعمة حيث رباه ولم يقتله ولا استعبده . فالمعنى : هي لعمري نعمة إذ ربيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل ; فـ " أن " تدل على المحذوف ، ومثله في الكلام- أن تضرب بعض عبيدك وتترك الآخر ، فيقول المتروك : هذه نعمة علي أن ضربت فلانا وتركتني ، ثم تحذف " وتركتني " لأن المعنى معروف ، هذا قول . الفراء