قوله تعالى: أفتوني في أمري أي : بينوا لي ما أفعل ، وأشيروا علي . قال : جعلت المشورة فتيا ، وذلك جائز لسعة اللغة . الفراء
قوله تعالى: ما كنت قاطعة أمرا أي : فاعلته حتى تشهدون أي . تحضرون ; والمعنى : إلا بحضوركم ومشورتكم .
قالوا نحن أولو قوة فيه قولان .
أحدهما : أنهم أرادوا القوة في الأبدان . والثاني : كثرة العدد والبأس والشجاعة في الحرب .
وفيما أرادوا بذلك القول قولان أحدهما : تفويض الأمر إلى رأيها . والثاني : تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم .
ثم قالوا : والأمر إليك أي : في القتال وتركه . قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية قال : المعنى : إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة . الزجاج
قوله تعالى: أفسدوها أي : خربوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة أي : أهانوا أشرافها ليستقيم لهم الأمر . ومعنى الكلام : أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادها .
قوله تعالى: وكذلك يفعلون فيه قولان .
أحدهما : أنه من تصديق الله تعالى لقولها ، قاله . الزجاج
والثاني : من تمام كلامها ; والمعنى : وكذلك يفعل سليمان وأصحابه إذا دخلوا بلادنا ، حكاه . الماوردي
[ ص: 170 ] قوله تعالى: وإني مرسلة إليهم بهدية قال : إنما أرسلت الهدية لتعلم أنه إن كان نبيا لم يرد الدنيا ، وإن كان ملكا فسيرضى بالحمل ، وأنها بعثت ثلاث لبنات من ذهب في كل لبنة مائة رطل ; وياقوتة حمراء طولها شبر مثقوبة ، وثلاثين وصيفا وثلاثين وصيفة ، وألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف الذكر من الأنثى ، ثم كتبت إليه : إني قد بعثت إليك بهدية فاقبلها ، وبعثت إليك بياقوتة طولها شبر ، فأدخل فيها خيطا واختم على طرفي الخيط بخاتمك ، وقد بعثت إليك ثلاثين وصيفا وثلاثين وصيفة : فميز بين الجواري والغلمان ; فجاء أمير الشياطين فأخبره بما بعثت إليه ، فقال له : انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال [لبنا] من الذهب ; فانطلق ، فبعث الشياطين ، فقطعوا اللبن من الجبال وطلوه بالذهب وفرشوه ، ونصبوا في الطريق أساطين الياقوت الأحمر ، فلما جاء الرسل ، قال بعضهم لبعض : كيف تدخلون على هذا الرجل بثلاث لبنات ، وعنده ما رأيتم؟! فقال رئيسهم : إنما نحن رسل ، فدخلوا عليه ، فوضعوا اللبن بين يديه ، فقال : أتمدونني بمال؟ ثم دعا ذرة فربط فيها خيطا وأدخلها في ثقب الياقوتة حتى خرجت من طرفها الآخر ، ثم جمع بين طرفي الخيط فختم عليه ودفعها إليهم ، ثم ميز بين الغلمان والجواري ، هذا كله مروي عن ابن عباس . وقال ابن عباس : جعلت لباس الغلمان للجواري ولباس الجواري للغلمان ، فميزهم ولم يقبل هديتها . مجاهد
[ ص: 171 ] وفي عدد الوصائف والوصفاء خمسة أقوال .
أحدها : ثلاثون وصيفا وثلاثون وصيفة ، وقد ذكرناه عن . ابن عباس
والثاني : خمسمائة غلام و خمسمائة جارية ، قاله . والثالث : مائتا غلام ومائتا جارية ، قاله وهب . والرابع : عشرة غلمان وعشر جوار ، قاله مجاهد . ابن السائب
والخامس : مائة وصيف ومائة وصيفة ، قاله . مقاتل
وفي ما ميزهم به ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه أمرهم بالوضوء ، فبدأ الغلام من مرفقه إلى كفه ، وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها ، فميزهم بذلك ، قاله . سعيد بن جبير
والثاني : أن الغلمان بدؤوا بغسل ظهور السواعد قبل بطونها ، والجواري على عكس ذلك ، قاله . قتادة
والثالث : أن الغلام اغترف بيده ، والجارية أفرغت على يدها ، قاله . السدي
وجاء في التفسير أنها أمرت الجواري ان يكلمن سليمان بكلام الرجال ، وأمرت الرجال أن يكلموه كلام النساء ، وأرسلت قدحا تسأله أن يملأها ماء ليس من [ماء] لسماء ولا من ماء الأرض ، فأجرى الخيل وملأه من عرقها .
قوله تعالى: فناظرة بم يرجع المرسلون أي : بقبول أم برد .
قال : وأصل " بم " :بما ، وإنما أسقطت الألف لأن ابن جرير العرب إذا كانت " ما " بمعنى " أي " ثم وصلوها بحرف خافض ، أسقطوا ألفها ، تفريقا بين الاستفهام والخبر ، كقوله : عم يتساءلون [النبأ : 1] و قالوا فيم كنتم؟ [النساء : 97] ، وربما أثبتوا فيها الألف كما قال الشاعر :
[ ص: 172 ]
على ما قام يشتمنا لئيم كخنزير تمرغ في رماد؟