قوله تعالى: فلما قضى موسى الأجل روى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل : أي الأجلين قضى موسى ، قال : أوفاهما وأطيبهما . قال مجاهد مكث بعد قضاء الأجل عندهم عشرا [ ص: 218 ] أخر . وقال وهب بن منبه : أقام عندهم بعد أن أدخل عليه امرأته سنين ، وقد سبق تفسير هذه الآية [طه : 10] إلى قوله : أو جذوة وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي : " جذوة " بكسر الجيم . وقرأ عاصم بفتحها . وقرأ حمزة ، وخلف ، والوليد عن ابن عامر بضمها ، وكلها لغات . قال ابن عباس : الجذوة : قطعة حطب فيها نار ، وقال أبو عبيدة : قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب ، وهي مثل الجذمة من أصل الشجرة ، قال ابن مقبل :
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجذا غير خوار ولا دعر
والدعر : الذي قد نخر ، ومنه رجل داعر ، أي : فاسد
قوله تعالى: نودي من شاطئ الواد وهو : جانبه الأيمن وهو الذي عن يمين موسى في البقعة وهي القطعة من الأرض المباركة بتكليم الله موسى فيها من الشجرة أي : من ناحيتها . وفي تلك الشجرة قولان .
أحدهما : [أنها] شجرة العناب ، قاله ابن عباس .
والثاني : عوسجة ، قاله قتادة ، وابن السائب ، ومقاتل .
[ ص: 219 ] وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل : 10] إلى قوله : إنك من الآمنين أي : من أن ينالك مكروه .
قوله تعالى: اسلك يدك أي : أدخلها ، واضمم إليك جناحك قد فسرنا الجناح في (طه : 22) إلا أن بعض المفسرين خالف بين تفسير اللفظين ، فشرحناه . وقال ابن زيد : جناحه : الذراع والعضد والكف . وقال الزجاج : الجناح هاهنا : العضد ، ويقال لليد كلها : جناح . وحكى ابن الأنباري عن الفراء أنه قال : الجناح هاهنا : العصا . قال ابن الأنباري : الجناح للإنسان مشبه بالجناح للطائر ، ففي حال تشبه العرب رجلي الإنسان بجناحي الطائر ، فيقولون : قد مضى فلان طائرا في جناحيه ، يعنون ساعيا على قدميه ، وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر ، كقوله : واضمم يدك إلى جناحك ، وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح ، لأن الإنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه ، كقوله : واضمم إليك جناحك من الرهب ، وإنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيها واستعارة ، كما يقال : قد قص جناح الإنسان ، وقد قطعت يده ورجله : إذا وقعت به جائحة أبطلت تصرفه ; ويقول الرجل للرجل : أنت يدي ورجلي ، أي : أنت من به أصل إلى محابي ، قال جرير :
سأشكر أن رددت إلي ريشي وأنبت القوادم في جناحي
وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغر :
يا عصمتي في النائبات ويا ركني [الأغر] ويا يدي اليمنى
لا صنت وجها كنت صائنه أبدا ووجهك في الثرى يبلى
فأما الرهب ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " من الرهب " بفتح [ ص: 220 ] الراء والهاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " من الرهب " بضم الراء وسكون الهاء . وقرأ حفص [وأبان] عن عاصم : " من الرهب " بفتح الراء وسكون الهاء [وهي قراءة ابن مسعود ، وابن السميفع] . وقرأ أبي بن كعب ، والحسن ، وقتادة : بضم الراء والهاء . قال الزجاج : الرهب ، والرهب بمعنى واحد ، مثل الرشد ، والرشد . وقال أبو عبيدة : الرهب والرهبة بمعنى الخوف والفرق . وقال ابن الأنباري : الرهب ، والرهب ، والرهب ، مثل الشغل ، والشغل ، والشغل والبخل ، والبخل ، والبخل ، وتلك لغات ترجع إلى معنى الخوف والفرق .
وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه لما هرب من الحية أمره الله أن يضم إليه جناحه ليذهب عنه الفزع . قال ابن عباس : المعنى : اضمم يدك إلى صدرك من الخوف ولا خوف عليك . وقال مجاهد : كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع .
والثاني : أنه لما هاله بياض يده وشعاعها ، أمر أن يدخلها في جيبه ، فعادت إلى حالتها الأولى .
والثالث : أن معنى الكلام : سكن روعك ، وثبت جأشك . قال أبو علي : ليس يراد به الضم بين الشيئين ، إنما أمر بالعزم [على ما أمر به] والجد فيه ، ومثله : اشدد حيازيمك للموت .
قوله تعالى: فذانك قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : " فذانك " بالتشديد . وقرأ الباقون : " فذانك " بالتخفيف . قال الزجاج : التشديد تثنية " ذلك " ، والتخفيف تثنية " ذاك " ، فجعل اللام في " ذلك " بدلا من تشديد النون في " ذانك " ، برهانان أي : بيانان اثنان . قال المفسرون : " فذانك " يعني [ ص: 221 ] العصا واليد ، حجتان من الله لموسى على صدقه ، إلى فرعون أي : أرسلنا بهاتين الآيتين إلى فرعون . وقد سبق تفسير ما بعد هذا [الشعراء : 14] إلى قوله : هو أفصح مني لسانا أي : أحسن بيانا ، لأن موسى كان في لسانه أثر الجمرة التي تناولها ، فأرسله معي ردءا قرأ الأكثرون : " ردءا " بسكون الدال وبعدها همزة . وقرأ أبو جعفر : " ردا " بفتح الدال وألف بعدها من غير تنوين ولا همز ; وقرأ نافع كذلك إلا أنه نون . وقال الزجاج : الردء : العون ، يقال : ردأته أردؤه ردءا : إذا أعنته .
قوله تعالى: يصدقني قرأ عاصم ، وحمزة : " يصدقني " بضم القاف . وقرأ الباقون . بسكون القاف قال الزجاج : من جزم " يصدقني " فعلى جواب المسألة : أرسله يصدقني ; ومن رفع ; فالمعنى : ردءا مصدقا لي . وأكثر المفسرين على أنه أشار بقوله : " يصدقني " إلى هارون ; وقال مقاتل بن سليمان : لكي يصدقني فرعون .
قوله تعالى: سنشد عضدك بأخيك قال الزجاج : المعنى : سنعينك بأخيك ، ولفظ العضد على جهة المثل ، لأن اليد قوامها عضدها ، وكل معين فهو عضد ، ونجعل لكما سلطانا أي : حجة بينة . وقيل للزيت : السليط ، لأنه يستضاء به ; والسلطان : أبين الحجج .
قوله تعالى: فلا يصلون إليكما أي : بقتل ولا أذى . [ ص: 222 ] وفي قوله : بآياتنا ثلاثة أقوال .
أحدها : أن المعنى : تمتنعان منهم بآياتنا وحججنا فلا يصلون إليكما .
والثاني : أنه متعلق بما بعده ، فالمعنى : بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ، أي : تغلبون بآياتنا .
والثالث : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : ونجعل لكما سلطانا بآياتنا فلا يصلون إليكما .


