قوله تعالى: إن الذي فرض عليك القرآن قال مقاتل : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغار ليلا ، فمضى من وجهه إلى المدينة فسار في غير الطريق مخافة الطلب ; فلما أمن رجع إلى الطريق فنزل الجحفة بين مكة والمدينة ، فعرف الطريق إلى مكة ، فاشتاق إليها ، وذكر مولده ، فأتاه جبريل فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ قال : نعم ; قال : فإن الله تعالى يقول : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ، فنزلت هذه الآية بالجحفة .
وفي معنى فرض عليك ثلاثة أقوال : أحدها فرض عليك العمل [ ص: 250 ] بالقرآن ، قاله عطاء بن أبي رباح ، وابن قتيبة . والثاني : أعطاك القرآن ، قاله مجاهد والثالث : أنزل عليك القرآن ، قاله مقاتل ، والفراء ، وأبو عبيدة .
وفي قوله : لرادك إلى معاد أربعة أقوال .
أحدها : إلى مكة ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية ، والضحاك . قال ابن قتيبة : معاد الرجل : بلده ، لأنه يتصرف [في البلاد ويضرب في الأرض] ثم يعود إلى بلده .
والثاني : إلى معادك من الجنة ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والزهري . فإن اعترض على هذا فقيل : الرد يقتضي أنه قد كان فيما رد إليه ; فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها : أنه لما كان أبوه آدم في الجنة ثم أخرج . كان كأن ولده أخرج منها ، فإذا دخلها فكأنه أعيد . والثاني : أنه دخلها ليلة المعراج ، فإذا دخلها يوم القيامة كان ردا إليها ، ذكرهما ابن جرير . والثالث : أن العرب تقول : رجع الأمر إلى كذا ، وإن لم يكن له كون فيه قط ، وأنشدوا :
[وما المرء إلا كالشهاب وضوئه] يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
وقد شرحنا هذا في قوله : وإلى الله ترجع الأمور [البقرة: 210] .
[ ص: 251 ] والثالث : لرادك إلى الموت ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال أبو سعيد الخدري .
والرابع : لرادك إلى القيامة بالبعث ، قاله الحسن ، والزهري ، ومجاهد في رواية ، والزجاج .
ثم ابتدأ كلاما يرد به على الكفار حين نسبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الضلال ، فقال : قل ربي أعلم من جاء بالهدى والمعنى قد علم أني جئت بالهدى ، وأنكم في ضلال مبين . ثم ذكره نعمه ، فقال : وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب أي : أن تكون نبيا وأن يوحى إليك القرآن إلا رحمة من ربك قال الفراء : هذا استثناء منقطع ، والمعنى : إلا أن ربك رحمك فأنزله عليك فلا تكونن ظهيرا للكافرين أي : عونا لهم على دينهم ، وذلك أنهم دعوه إلى دين آبائه فأمر بالاحتراز منهم ; والخطاب بهذا وأمثاله له ، والمراد أهل دينه لئلا يظاهروا الكفار ولا يوافقوهم .
قوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه فيه قولان .
[ ص: 252 ] أحدهما : إلا ما أريد به وجهه ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الثوري . والثاني : إلا هو ، قاله الضحاك ، وأبو عبيدة .
قوله تعالى: له الحكم أي : الفصل بين الخلائق في الآخرة دون غيره وإليه ترجعون في الآخرة .


