إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا
[ ص: 358 ] قوله تعالى: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم أي: من فوق الوادي ومن أسفله وإذ زاغت الأبصار أي: مالت وعدلت، فلم تنظر إلى شيء إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب وبلغت القلوب الحناجر وهي جمع حنجرة . والحنجرة: جوف الحلقوم . قال شخصت عن مكانها، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت . وقال غيره: المعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم; وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فيرتفع حينئذ القلب إلى الحنجرة، وهذا المعنى مروي عن قتادة: ابن عباس وذهب والفراء . إلى أن المعنى: كادت القلوب تبلغ الحلوق من الخوف وقال ابن قتيبة " كاد " لا يضمر ولا يعرف معناه إذا لم ينطق به . ابن الأنباري:
قوله تعالى: وتظنون بالله الظنونا قال اختلفت ظنونهم، فظن المنافقون أن الحسن: محمدا وأصحابه يستأصلون، وظن المؤمنون أنه ينصر .
قرأ ابن كثير، والكسائي، وحفص عن " عاصم: الظنونا " و " الرسولا " [الأحزاب: 66] و " السبيلا " [الأحزاب: 67] بألف إذا وقفوا عليهن، وبطرحها في الوصل . وقال هبيرة عن حفص عن وصل أو وقف بألف . وقرأ عاصم: نافع، وابن عامر، عن وأبو بكر بالألف فيهن وصلا ووقفا . وقرأ عاصم: أبو عمرو، وحمزة، بغير ألف في وصل ولا وقف . قال والكسائي: والذي عليه حذاق النحويين والمتبعون السنة من قرائهم أن يقرؤوا: " الظنونا " ويقفون على الألف ولا يصلون; وإنما فعلوا ذلك، لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يثبتون في آخرها الألف في الوقف . الزجاج:
قوله تعالى: هنالك أي: عند ذلك ابتلي المؤمنون أي: اختبروا بالقتال والحصر ليتبين المخلص من المنافق وزلزلوا أي: أزعجوا وحركوا [ ص: 359 ] بالخوف، فلم يوجدوا إلا صابرين . وقال حركوا إلى الفتنة تحريكا، فعصموا . الفراء:
قوله تعالى: وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض فيه قولان .
أحدهما: أنه الشرك، قاله والثاني: النفاق، قاله الحسن . قتادة، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا قال المفسرون: قالوا يومئذ: إن محمدا يعدنا أن نفتح مدائن كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله! هذا والله الغرور . وزعم أن قائل هذا ابن السائب معتب بن قشير .