وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا . وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه [ ص: 385 ] أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا
قوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة الآية، في سبب نزولها قولان .
أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يخطب زينب بنت جحش فقالت: لا أرضاه، ولست بناكحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى فانكحيه، فإني قد رضيته لك " فأبت، فنزلت هذه الآية . لزيد بن حارثة، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، ومجاهد، والجمهور . وذكر بعض المفسرين أن وقتادة، عبد الله بن جحش أخا كره ذلك كما كرهته زينب فلما نزلت الآية رضيا وسلما . قال زينب، والمراد بالمؤمن: مقاتل: عبد الله بن جحش، والمؤمنة: زينب بنت جحش .
والثاني: أنها نزلت في وكانت أول امرأة هاجرت، فوهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " قد قبلتك " ، وزوجها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فسخطت هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا رسول الله، فزوجها عبده؟! فنزلت هذه الآية، زيد بن حارثة، قاله ابن زيد . والأول عند المفسرين أصح .
[ ص: 386 ] قوله تعالى: إذا قضى الله ورسوله أمرا أي: حكما بذلك " أن تكون " وقرأ أهل الكوفة: " أن يكون " بالياء لهم الخيرة وقرأ أبو مجلز ، : " الخيرة " بإسكان الياء; فجمع في الكناية في قوله: " لهم " ، لأن المراد جميع المؤمنين والمؤمنات، والخيرة: الاختيار، فأعلم الله عز وجل أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله . وأبو رجاء فلما زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا مكثت عنده حينا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزل زيد فنظر إليها وكانت بيضاء جميلة من أتم نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: " سبحان مقلب القلوب " ، وفطن زيد، فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها . وقال بعضهم: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد، فرأى فقال: " سبحان مقلب القلوب " ، فسمعت ذلك زينب، فلما جاء زينب، زيد ذكرت له ذلك، فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها . وقال ابن زيد: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باب زيد- وعلى الباب ستر من شعر- فرفعت الريح الستر، فرأى فلما وقعت في قلبه كرهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله أريد فراقها، فقال له: " اتق الله " زينب، . وقال مقاتل: زيد لتسبيح رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كبرا، فهي تعظم علي وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أمسك عليك زوجك واتق الله " . ثم إن زيدا طلقها [ ص: 387 ] بعد ذلك، فأنزل الله تعالى: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق . لما فطن
قوله تعالى: واتق الله أي: في أمرها فلا تطلقها وتخفي في نفسك أي: تسر وتضمر في قلبك ما الله مبديه أي: مظهره; وفيه أربعة أقوال .
أحدها: حبها، قاله ابن عباس .
والثاني: عهد عهده الله إليه أن ستكون له زوجة، فلما أتى زينب زيد يشكوها، قال له " أمسك عليك زوجك واتق الله " ، وأخفى في نفسه ما الله مبديه، قاله علي بن الحسين .
والثالث : إيثاره لطلاقها، قاله قتادة، وابن جريج، ومقاتل .
والرابع : أن الذي أخفاه: إن طلقها زيد تزوجتها، قاله ابن زيد .
قوله تعالى: وتخشى الناس فيه قولان .
أحدهما: أنه خشي اليهود أن يقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، رواه عن عطاء ابن عباس .
[ ص: 388 ] والثاني: أنه خشي لوم الناس أن يقولوا: أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها .
قوله تعالى: والله أحق أن تخشاه أي: أولى أن تخشى في كل الأحوال . وليس المراد أنه لم يخش الله في هذه الحال، ولكن لما كان لخشيته بالخلق نوع تعلق قيل له: الله أحق أن تخشى منهم . قالت ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية، ولو كتم شيئا من الوحي لكتمها . عائشة:
فصل
وقد ذهب بعض العلماء إلى تنزيه رسول الله من حبها وإيثاره طلاقها . وإن كان ذلك شائعا في التفسير . قالوا: وإنما عوتب في هذه القصة على شيئين، [ ص: 389 ] [ ص: 390 ] أحدهما: أنه أخبر بأنها ستكون زوجة له، فقال " أمسك عليك زوجك " فكتم ما أخبره الله به من أمرها حياء من لزيد: زيد أن يقول له: إن زوجتك ستكون امرأتي; وهذا يخرج على ما ذكرنا عن علي بن الحسين، وقد نصره الثعلبي، والواحدي .
والثاني: أنه لما رأى اتصال الخصومة بين زيد ظن أنهما لا يتفقان وأنه سيفارقها، وأضمر أنه إن طلقها تزوجتها صلة لرحمها، وإشفاقا عليها، لأنها كانت بنت عمته وزينب، فعاتبه الله على إضمار ذلك وإخفائه حين قال أميمة بنت عبد المطلب، " أمسك عليك زوجك " ، وأراد منه أن يكون ظاهره وباطنه عند الناس سواء كما قيل له في قصة رجل أراد قتله: هلا أومأت إلينا بقتله؟ فقال: " لزيد: " ، ذكر هذا القول ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين رحمة الله عليه . القاضي أبو يعلى
قوله تعالى: فلما قضى زيد منها وطرا قال الوطر: كل حاجة لك فيها همة، فإذا بلغها البالغ قيل: قد قضى وطره . وقال غيره: قضاء الوطر في اللغة: بلوغ منتهى ما في النفس من الشيء، ثم صار عبارة عن الطلاق، لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة . والمعنى: لما قضى زيد حاجته من نكاحها الزجاج: زوجناكها ، وإنما ذكر قضاء الوطر هاهنا ليبين أن امرأة المتبنى تحل وإن وطئها، وهو قوله: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ; والمعنى: زوجناك وهي امرأة زينب- زيد الذي تبنيته- لكيلا يظن أن امرأة المتبنى لا يحل نكاحها . وروى في [ ص: 391 ] أفراده من حديث مسلم قال: أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب " اذهب فاذكرها علي " ، قال لزيد: زيد: فانطلقت، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن . زينب، لما انقضت عدة
وذكر أهل العلم أن من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجيز له التزويج بغير مهر ليخلص قصد زوجاته لله دون العوض، وليخفف عنه، وأجيز له التزويج بغير ولي، لأنه مقطوع بكفاءته، وكذلك هو مستغن في نكاحه عن الشهود . وكانت تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلوكن، وزوجني الله عز وجل . زينب