ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير
قوله تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا وهو النبوة والزبور وتسخير الجبال والطير، إلى غير ذلك مما أنعم الله به عليه يا جبال أوبي معه وروى الحلبي عن " أوبي " بضم الهمزة وتخفيف الواو . قال عبد الوارث: المعنى: وقلنا: يا جبال أوبي معه، أي: رجعي معه . والمعنى: سبحي معه ورجعي التسبيح . ومن قرأ: " أوبي " ، معناه: عودي في التسبيح معه كلما عاد . وقال الزجاج: : " أوبي " أي: سبحي، وأصل التأويب في السير، وهو أن يسير النهار كله، وينزل ليلا، فكأنه أراد: ادأبي النهار [كله] بالتسبيح إلى الليل . ابن قتيبة
[ ص: 436 ] قوله تعالى: والطير وقرأ أبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، : " والطير " بالرفع . فأما قراءة النصب، فقال وابن أبي عبلة هو عطف على قوله: أبو عمرو بن العلاء: ولقد آتينا داود منا فضلا والطير أي: وسخرنا له الطير . قال ويجوز أن يكون نصبا على النداء، كأنه قال: دعونا الجبال والطير، فالطير معطوف على موضع الجبال، وكل منادى عند البصريين فهو في موضع نصب; قال: وأما الرفع، فمن جهتين، إحداهما: أن يكون نسقا على ما في " أوبي، فالمعنى: يا جبال رجعي التسبيح معه أنت والطير; والثانية: على النداء، المعنى: يا جبال ويا أيها الطير أوبي [معه] الزجاج:
قال كانت الطير تسبح معه إذا سبح، وكان إذا قرأ لم تبق دابة إلا استمعت لقراءته وبكت لبكائه . وقال ابن عباس: كان يقول للجبال: سبحي، وللطير: أجيبي، ثم يأخذ هو في تلاوة الزبور بين ذلك بصوته الحسن، فلا يرى الناس منظرا أحسن من ذلك، ولا يسمعون شيئا أطيب منه . وهب بن منبه:
قوله تعالى: وألنا له الحديد أي: جعلناه لينا . قال سخر الله له الحديد بغير نار، فكان يسويه بيده، لا يدخله النار، ولا يضربه بحديدة، وكان أول من صنع الدروع، وكانت قبل ذلك صفائح . قتادة:
قوله تعالى: أن اعمل قال معناه: وقلنا له: اعمل، ويكون في معنى " لأن يعمل " الزجاج: سابغات أي: دروعا سابغات، فذكر الصفة لأنها تدل على الموصوف .
قال المفسرون: كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء، [ ص: 437 ] فيعمل الدرع في بعض يوم فيبيعه بمال كثير، فيأكل ويتصدق . والسابغات: الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض .
وقدر في السرد أي: اجعله على قدر الحاجة . قال : السرد: النسج، ومنه يقال لصانع الدروع: سراد وزراد، تبدل من السين الزاي، كما يقال: سراط وزراط . وقال ابن قتيبة السرد في اللغة: تقدمة الشيء إلى الشيء تأتي به متسقا بعضه في إثر بعض متتابعا . ومنه قولهم: سرد فلان الحديث . الزجاج:
وفي معنى الكلام قولان .
أحدهما: عدل المسمار في الحلقة ولا تصغره فيقلق، ولا تعظمه فتنفصم الحلقة، قاله . مجاهد
والثاني: لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها، قاله قتادة .
قوله تعالى: واعملوا صالحا خطاب لداود وآله .